ثقافة

الأدب العربي والآداب العالمية الترجمة وفهم ثقافة الآخر

لايمكن لأي ثقافة مهما بلغت من الرقي والنضج أن تعيش منعزلة عن سواها وربما كانت الترجمة من أهم الطرق لتلاقح الثقافات والتعرف على خصوصياتها، وجسر الهوة مع الآخر وفهمه بصورة أدق من هنا نظم اتحاد الكتاب العرب بدمشق “جمعيات الترجمة والشعر والقصة والرواية” ندوة بعنوان “الأدب العربي والآداب العالمية الترجمة جسراً” وفي البداية اعتبر د.حسين جمعة أن موضوع الندوة من أهم المواضيع على مستوى تاريخ البشرية مؤكداً أن مشاركة عدة جمعيات من اتحاد الكتاب العرب في الندوة يؤسس لمفهوم التشاركية الثقافية في إطار ثقافي إبداعي آملاً أن نصل لمرحلة نستطيع فيها أن نوظف في جمعية الترجمة نصوص الزملاء في اتحاد الكتاب لتكون جسراً حقيقياً للانتقال للعالم شريطة أن تكون تلك النصوص قد فرضت ذاتها من أجل ترجمتها وكل ذلك في سبيل أن تكون الترجمة جسراً إبداعياً ثقافياً.
بدوره تحدث د. راتب سكر عن الدور المتنامي للترجمة في الحياة الثقافية الأدبية عربياً وعالمياً حتى غدت تفرض ضرورات دراستها على أسس علمية، وتحدث سكر عبر نظرة تاريخية عن أدباء أجانب ترجموا لغيرهم ووصلوا إلى البلاد العربية. وفي الحديث عن العقد الثاني من القرن الأول في الألفية الثالثة أكد سكر أن ترجمة الآداب العالمية إلى اللغة العربية تشكل جوهراً أساساً في جسر تفاعل أدبنا المعاصر مع تلك الآداب. كما تطرق  لدور اتحاد الكتاب العرب في ذلك التفاعل من خلال نشر الكتب المترجمة المتنوعة وإصدار مجلة تخصصية في ميادين الترجمة مؤكداً أن مسؤولية الاهتمام بالترجمة لا تقع على عاتق جمعية الترجمة فقط، بل يجب أن تكون موضع اهتمام جميع الجمعيات الأدبية في الاتحاد.

التأثر العادي
واعتبر القاص أيمن الحسن في مشاركته التي جاءت تحت عنوان “جورج سالم ترجمات ومؤثرات” أن قانون التأثر والتأثير من قوانين الطبيعة، ويمكن للمؤثرات الأجنبية أن تنتقل عن طريق الاتصال المباشر أو عبر الترجمة. وتحدث الحسن عن ترجمات جورج سالم، كما قدم ملخصاً عن روايته “المنفى” مؤكداً غياب الأسماء في الرواية فنحن نعرف الشخوص من خلال أدوارها، وكذلك الأمر عندما نتحدث عن الأعمال ونظام العلاقات. وتوقف الحسن عند الرأي الذي قدمه د. حسام الخطيب حول وجود تشابه بين رواية “المنفى” لسالم ورواية كافكا “المحاكمة” ليعطي حكماً نقدياً سلبياً من شأنه أن يحبط المبدع مهما بلغت قيمته على حد تعبير الحسن، فهو يسيء إلى سمعة الكاتب ويعتبره مقلداً. في حين يؤكد أنطون مقدسي أن رواية “الغريب” لألبير كامو يمكن أن تدرج في سياق الأدب الوجودي والفرق بينها وبين رواية “في المنفى” كبير وإن كان هناك من أثر فهو يقتصر على المقدمة. وختم الحسن مشاركته قائلاً: لو طرحنا السؤال على جورج سالم هل تأثرت برواية الغريب لكامو سيقول هناك تأثر هو التأثر العادي كما يتأثر أي كاتب، وبهذا يرى الحسن أننا ربما نكون قد رفعنا بعض الظلم عن سالم باعتباره مبدع خضع كغيره لقانون التأثر والتأثير.

خطة وطنية للترجمة
ورأى الأديب حسام الدين خضور أن لغتنا العربية من اللغات التي تقبل تعريف كلمة ترجمة بذاتها وعندما نتداولها فإننا نعني عملية الجمع بين لغتين، في حين هناك لغات لشعوب لها مكانتها كاليابان لايمكن لمفردة الترجمة أن تعني تلك العملية اللغوية بذاتها. وأكد خضور التداخل بين اللغة والثقافة والترجمة فهي من طبيعة واحدة كون اللغة جزء من ثقافة جماعة وهي تعبير عن ثقافة تلك الجماعة، والترجمة هي نقل هذه الثقافة إلى لغة أخرى وثقافة أخرى. من هنا المترجم الجيد هو من يعرف لغة أمته وثقافتها وكذلك لغة وثقافة الشعب الذي يترجم نتاجه. كما تطرق خضور في مداخلته إلى الركائز التي تقوم عليها ترجمتنا وحددها في خمس هي: وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب والجامعات واتحاد الناشرين والمترجمين وتحدث عن دور كل ركيزة وما يعوق عملها ليصل إلى نتيجة تؤكد ضرورة إقامة مؤتمر وطني للترجمة تشارك فيه الركائز الخمس السابقة بالإضافة إلى المهتمين بوضع خطة وطنية تسير الترجمة وفقها.

الشعر عند بورخيس
وفي ميدان الشعر جاءت مشاركة د. نزار بريك هنيدي تحت عنوان “بورخيس وفن الشعر” وذكر هنيدي عدة عبارات لبورخيس تتحدث عن مفهوم الشعر ومكانته بالنسبة له وللوقوف بشكل دقيق على فن الشعر عند بورخيس اختار هنيدي قصيدة فن الشعر التي تحمل مقولات مختلفة أراد بورخيس أن يوصلها والتي تلخص رؤيته للواقع والعالم من حوله.

خصوصية كل لغة
واعتبر الأديب مالك صقور أن نظرة إلى تاريخ الحضارة البشرية تؤكد أن الترجمة واكبت وجود الإنسان فقد مارس الإنسان الترجمة على مر العصور ولولاها لما كان من الممكن أن يتحقق التطور اللاحق في جميع المجالات كما تطرق صقور في مشاركته إلى المراحل التي مرت بها الترجمة كما وتحدث عن تجربته في هذا المجال ومعاناته الشخصية فيه، واصطدامه بالمصطلحات العلمية، وأكد صقور صعوبة الترجمة ومعاناة المترجمين وكذلك خصوصية كل لغة.

زيادة الوعي
وتحدث د. رضوان القضماني عن حال الترجمة في عصر العولمة ليؤكد ارتباط حركة الترجمة بعصر العولمة وبحركة المثقفين المتطلعة إلى الارتقاء إلى مستوى تصورات العصر وتطلعاتها بعد أن وعت تلك الحركة من جديد أن الفجوة القائمة بين شعوب بلدان الوطن العربي وحركة المثقفين فيه هي أحد أهم أسباب التخلف، وأبرز سمات ذلك أن حركة المثقفين العرب تعيش مرحلة اكتساب المعرفة في حين انتقلت المجتمعات المتقدمة إلى إنتاجها. وخلص قضماني إلى نتيجة ملخصها أن عصر العولمة يقتضي أن تمنح الترجمة حرية لا تعوقها أشكال الرقابة التي تفرضها المؤسسات، كما أن الخروج من إشكاليات الترجمة في عصر العولمة يحتاج إلى وعي نقدي عال وتزايد في درجات الوعي في النظر حول عمليات المثاقفة وغيرها.
جلال نديم صالح