اقتصاد

اختلاف وتباين كبيران بين ما يقوله كلّ من المربّين والقائمين على المشروع تطوير الثروة الحيوانية بترقيمها الملوّن مهمة صعبة في ظل الظروف الراهنة وحركات بيع الأبقار مستمرة يومياً

لا يكاد ينتهي الحديث عن مشروع أو قضية في سهل الغاب الفسيح حتى تطالعنا قضية جديدة أو ابتكار جديد للتجريب، ففي هذا السهل الخصب كل القضايا الحلوة والمرّة موجودة، الأمر الذي يقضي بضرورة المتابعة التي بيّنت أن مواصلتها ساهمت في كشف العديد من المشكلات، والدليل ما كان يصدر من الجهات المعنية بعد كل عملية نشر لمادة تتناول قضايا هذه المنطقة.
وكم يصعب عليك إن حاولت اختزال قضية ما بكل القضايا الأخرى، فلكل واحدة حلاوتها أو مرّها ودهاليزها وخفاياها، وبناء على ذلك أمضينا أياماً عدّة في سهل الغاب متنقّلين بين المزارعين ومربّي الثروة الحيوانية، لمعرفة مدى الرغبة وتقبّل فكرة ترقيم الأبقار باللونين الزهري والأصفر، ولكل من الأبقار الصغيرة لونها والكبيرة لونها، مع سجل حافل يحمل حسب ونسب كل رأس منها.

يرفض الردّ
كيلا يُساء الظن بنا ونتّهم بأننا ضد فكرة المشروع، نؤكد العكس تماماً فهو يشكل قاعدة بيانات مهمّة جداً، لكن في ظل الظروف الراهنة لا يمكن تنفيذه ولا تطبيقه، فضلاً عن طريقة التعامل وحصرها كلها في الطبيب البيطري وسجلاته، ثم هل يعقل أن ينفذ المشروع تحت تهديد الطبيب البيطري غير المتعاون وتعريض نفسه للمساءلة على حدّ قول مدير المشروع في منطقة الغاب المهندس نسيم منصور، الذي حاولنا الاتصال به عدّة مرات لمعرفة عدد الأبقار التي تم حصرها حتى الآن في القرى المستهدفة لكنه كان يرفض الردّ..!.
يؤكد المربّون أن المرحلة الأولى من المشروع المتمثلة بزراعة أصناف بذرية لتشكل أعلافاً خضراء وسياجاً للقطيع لم يسبق أن تمت زراعتها في منطقة الغاب، ستنجح ولاسيما أن هذه المحاصيل العلفية ستروى بالمياه المالحة والصرف الصحي وبأراضٍ غير جيدة ولا تصلح إلا لهذه الزراعات فنجاحها شبه مضمون.
تجارة لا تربية
إن تحسين سلالات الأبقار ورفع مستوى إنتاجها وتأمين اللقاحات وقشات التلقيح فكرة جيدة جداً وفقاً لبعض المربّين، أما غير ذلك من خطوات ومراحل المشروع فلن تضبط، ولاسيما أن حركة بيع الأبقار لا تهدأ وذبح العجول على قدم وساق، ونادراً ما تجد مربّياً لديه ثور من البقر، كما أن التعداد بالألوان وإخطار الطبيب البيطري بكل شاردة وواردة قد تطرأ على الأبقار فيه شيء من الطرافة والتندّر، ولا أحد يستطيع أن يمسك سجلات أرقام القطعان سواء قل عددها أم كثر، والمشكلة المحورية لا تتمثل في تفضيل تقنية على أخرى، بل في طريقة تقبّل الفكرة وإيصالها بسلاسة إلى أشخاص يؤمنون بها. وتساءل مربٍّ آخر من قرية عناب حول كيفية ترقيم الأبقار وكل يوم يباع ويشترى العشرات منها من تاجر إلى آخر، حتى إن الرأس الواحد يباع عدة مرات خلال أسابيع، فالموضوع تجارة أكثر مما هو تربية، فمن يستطيع أن يضبط مثل هذه التنقلات بين القطيع والمربّين؟.

تناقض محرج
مصادر مطلعة في البحوث العلمية الزراعية أكدت أنه كان الحصول على الأرقام البلاستيكية بمنزلة حلم في محطة الجاموس قبل عدة سنوات، مبدية استغرابها حول توافرها بكثرة في هذه الآونة؟ ويثير عدد من المربّين تساؤلات مفادها: كيف يمضي القائمون على مشروع تطوير الثروة الحيوانية إلى الوراء والمربّون إلى الأمام؟ ثم هل ما زالت الوكالة الفرنسية المموّلة والداعمة للمشروع لجهة تأمين القشات من اللقاحات الاصطناعية على وعدها لتأمين 80 ألف قشة، حاجة المرحلة الأولى منها 40 ألف قشة..، وهل ما زالت ملتزمة بذلك من خلال عملية التبادل، نشاطاً بنشاط؟.
بل ماذا نفّذ لجهة الترقيم منذ أن ترأّس وزير الزراعة الاجتماع المخصص لذلك في شهر آذار من عام 2013 حتى الآن؟ ثم هل تم استصدار قانون ناظم لتنفيذ الأنشطة الخاصة به، كما طالب مدير الثروة الحيوانية بالوزارة في ذلك الاجتماع؟ وإلامَ خلص طرح تعزيز القدرات التسويقية للمنتج الحيواني داخل القطر وخارجه؟.
الخلاصة.. ثمة إجابة قالها المربّون أنفسهم وهي محدّدة وصريحة: إن ما يتم تنظيره في وادٍ والواقع على الأرض في وادٍ آخر!، ولأن الشيء بالشيء يذكر يمكننا القول: إن عملية ترقيم الثروة الحيوانية هذه تذكّرنا بعملية استيراد بذار البطاطا، عندما تذهب اللجان إلى هولندا لاختيار الأصناف المطلوبة ليبدأ البازار من هناك على الشركات التي سيتم اختيار البذار منها، وكذلك الحال بالنسبة لفكرة ترقيم الثروة الحيوانية، فالفكرة من نيوزيلندا وعن طريق القطاع الخاص، كما أكد المعنيون بها سابقاً وسيتم استحضار الحلقات البلاستيكية من هناك لتوضع في آذان القطيع!.

ورغم ذلك
نختم لنقول: على الرغم من كل ما يعانيه سهل الغاب زراعياً بشقيه النباتي والحيواني، فإننا نستطيع النهوض والازدهار به وبغيره وتوفير الحياة الأفضل للعاملين في الشأن الزراعي، لكن بشرط واحد وهو إدارة الموارد المتوفرة بطريقة جيدة ومستدامة، فالموضوع لا يحتاج  إلى كثير من التنقيب والابتكارات المستوردة، بل فقط لتوفير ما يلزم المحاصيل الزراعية من الأسمدة والأعلاف لقطيع الأبقار والأغنام هناك، ومن يعُد بذاكرته جيّداً إلى منتصف الثمانينيات والتسعينيات يلاحظ تطوّر الإنتاج وزيادة الغلّة الزراعية آنذاك، ولعل الإحصائيات المتوافرة لدينا تؤكد صحة ذلك، علماً أنه لم يكن لدينا مشروع تطوير ولا هم يحزنون.
حماة – محمد فرحة