اقتصاد

نقطة ساخنة

نحو الاستدانة من المستقبل

لعلّ ما ينقص الحكومة في هذه المرحلة الإصلاحية هو اعتمادها مبدأ الاستدانة من المستقبل لإقامة المشاريع الإستراتيجية الضخمة الباهظة التكاليف، بمعنى أن تحصل على المشروعات وما تقدّمه من خدمات دون أن تتكلف عليها، أو أن تدفع تكاليفها على مدى سنوات طويلة وليس دفعة واحدة، الأمر الذي يساهم في تنمية مشروعات البنى التحتية على وجه الخصوص.
وربما أسلم طريقة لتأمين هذه الاستدانة تتأتى من اعتماد مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي لم تتبلور ملامحه رغم المناداة به منذ سنوات خلت، نتيجة عدم السعي لصياغة قانون خاص يضبط هذه الشراكة.
ولعلّ متطلبات المرحلة والحديث عن الإعمار وتوقع دخول شركات استثمارية ضخمة يحتّم بالضرورة صياغة مثل هذا القانون، بشكل يضمن حقوق الدولة والمستثمر –في حالة الشراكة- ويؤمّن في الوقت ذاته إقامة مشاريع تنموية خدمية طويلة الأجل.
من البديهي ألا يختلف اثنان على أهمية الشراكة ودورها في الاقتصاد الوطني، لكن تطبيقها بالشكل الأمثل لايزال يكتنفه بعض الغموض، على اعتبار وجود أنماط عدة تنضوي تحت إطارها، أبرزها المشاريع المنفّذة بناء على عقود الـBOT المستوردة من الخارج دون وجود نص أو تشريع قانوني ينظم عملها، ما يثير جدلاً حول تطبيقها في بلد بحاجة ماسة لمشاريع إستراتيجية تكلف الخزينة العامة مبالغ طائلة.
فالبعض اعتبر وجود نص تشريعي يوطّن عقود الـBOT بشكل قانوني، أو عدم وجوده سيان، على اعتبار أن المشاريع تُنجز على أكمل وجه وتفي بالغرض، ولاسيما أنه يمكن اعتماد بعض المواد القانونية في الدستور السوري لإبرام عقود الـ BOT، والبعض الآخر يصرّ على ضرورة صياغة نص قانوني ينظم هذه العقود تفادياً للوقوع في تجاوزات يُهضم من خلالها حقوق أحد طرفي العقد من جهة، وعدم التزام الطرفين وخاصة المستثمر ببنود العقد من جهة أخرى.
ونبيّن أن عدم وجود قانون خاص لتنظيم عقود الـBOT له إشكاليات كثيرة أبرزها التهرّب من الالتزامات نتيجة الثغرات القانونية التي تكتنف هذا النوع من العقود، فضلاً عن أن وجود قانون واضح من شأنه أن يشجع على زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وخاصة الإستراتيجية منها مثل (مشاريع البنية التحتية الضخمة– التنقيب عن الثروات الباطنية– صناعات إستراتيجية..الخ)، مع الإشارة إلى أن تنفيذ هذا النوع من المشاريع يحتاج إلى شركات عالمية كبرى معروفة.
وعليه لابد من توخي الحذر والعقلانية في صياغة هذا النوع من العقود، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التركيز على شركات أجنبية من جنسية واحدة، بل يجب التعاقد مع أكثر من جنسية وذلك لتخفيف من عامل المخاطرة خاصة في حال وقوع أزمات اقتصادية وسياسية تؤثر على مثل هذه العقود.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com