ثقافة

في الندوة العلمية “الآثار السورية والأزمة” 99% من القطع المتحفية بخير .. وحلب القديمة الأكثر ضرراً

على الرغم من ان الحديث عن الأضرار التي تعرضت لها آثارنا في ظل الأزمة السورية ليس بجديد إلا أن استمرار الأزمة وامتدادها بات يحتم على المعنيين في مديرية الآثار والمتاحف إطلاع الرأي العام على مجريات الأمور على هذا الصعيد بين فترة وأخرى.. من هنا تأتي أهمية الندوة العلمية التي عقدتها مؤخراً مديرية الآثار والمتاحف في القاعة الشامية بالمتحف الوطني، والتي قام فيها المشاركون بتسليط الضوء على واقع هذه الأضرار، لتؤكد كل المشاركات في نهاية الأمر على ما بيَّنه الأستاذ عصام خليل وزير الثقافة في كلمته الافتتاحية من أن الآثار السورية كانت هدفاً للإرهابيين، يعملون على تخريبها وسرقتها في سياق العدوان الكونيّ على سورية من أجل إعادة تركيب المنطقة بما يفضي إلى استقرار المشروع الصهيوني نهائياً وفق منظومة سياسية، مشيراً إلى أن السوريين أنقذوا مستقبل الحياة عندما أنقذوا تراثهم من النهب والعبث والتخريب.
وقد كان للجهود التي بذلها العاملون الشرفاء في المديرية العامة للآثار والمتاحف أثر حيوي في حماية آثارنا وتاريخنا وهويتنا وجذورنا، داعياً لبذل مزيد من الجهد في مشروعنا الوطنيّ لإعادة ترميم ما تضرر من آثارنا لتعود كما كانت قبل العدوان شاهداً على حقائق التاريخ وهوية الجغرافية وعظمة السوريين، مؤكداً أن وزارة الثقافة ستكون بكل إمكانياتها رافداً للجهود المبذولة في هذه المهمة الوطنية النبيلة.

استرجاع الكثير من التحف الأثرية
ولأنه لا يمكن لأي متابع لما تقوم به مديرية الآثار من جهود جبارة  في سبيل تقليص الأضرار بتراثنا وآثارنا يجب ألا ننكر تلك الجهود والتضحيات التي قدمها العاملون في المديرية، مع الإشارة إلى أن المديرية قدمت عدداً من الشهداء الذين استشهدوا دفاعاً عن المواقع الأثرية التي كانت هدفاً مباشراً للمسلحين والمتطرفين.. من هنا اعترف د.مأمون عبد الكريم مدير الآثار والمتاحف وبصراحته المعهودة بوجود مناطق واسعة على امتداد الجغرافية السورية مصنفة على أنها مناطق ثقافية منكوبة، خاصة وأن بعض المواقع الأثرية تحولت إلى ساحة معركة، في حين شهدت المتاحف بعض السرقات المحدودة كما في متاحف الرقة ومعرة النعمان وحمص ودير الزور وأفاميا ومتاحف التقاليد الشعبية في حلب ودير الزور ودير عطية، مؤكداً في الوقت ذاته أن 99% من القطع المتحفية بألف خير بعد أن تم تأمين وإنقاذ المقتنيات المتحفية وتوثيقها مع المواقع حسب نظام jis منوهاً بالأشخاص الذين استشهدوا على يد الجماعات المتطرفة.
أما التشريعات الجديدة لحماية التراث الثقافي في سورية من لصوص الآثار واسترجاع المهرَّب منها فهي كما أوضح عبد الكريم من أولويات القانون الجديد، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية والجامعات والجمعيات الأهلية والجيش والذي أسفر عن استرجاع أكثر من 6000 من التحف الأثرية، داعياً جميع السوريين إلى حماية تراثهم الثقافي والتعاون مع أبناء المجتمعات المحلية لتحييد مئات المواقع الأثرية وحمايتها من تداعيات الأحداث الراهنة، لذلك تم إطلاق حملة التوعية “سورية بلدي”.
وختم عبد الكريم كلامه مبيناً أن الكنوز الإنسانية المخربة لا يُقدَّر بثمن، والإضرار بمواقع مهمة في تاريخ سورية هو إضرار بروح الشعب وهويته وجريمة بكل المقاييس، والأخطار المحيطة بالتراث الأثري السوري أصبحت خارج قدراتنا برأيه حيث مواردنا محدودة.. من هنا أتت أهمية حاجتنا إلى تحرك دولي لإكمال الجهود الوطنية في سورية لوضع حد لهذه الأضرار التي يتعرض لها التراث الثقافي الإنساني.

الوضع العام للمتاحف جيد
أما د.أحمد ديب مدير شؤون المتاحف فقد تناول في مشاركته واقع المتاحف السورية في ظل الأزمة، مشيراً بالأرقام إلى الأضرار الناتجة عن عمليات التخريب والاستهداف والسرقات وقلة الكوادر، مبيناً أن الوضع العام جيد، وقد نجحت المديرية بتأمين مقتنياتها إلا في حالات نادرة، أما المخاطر المحتملة فهي أن تتحول بعض المواقع إلى ساحة نزاع وتنشيط عمليات السرقة والتزوير غير المشروعة، منوهاً بالإجراءات التي قامت بها المديرية العامة للآثار والمتاحف لحماية متاحفها بالتعاون مع المجتمع المحلي ووزارة السياحة وجامعة دمشق ووزارة الأوقاف ومع المنظمات الدولية المعنية، مؤكداً حماية مقتنيات أغلب المتاحف، دون أن يخفي أن أضراراً كثيرة قد طالت بعض المواقع الأثرية وبعض المتاحف، مشيراً إلى إجراءات الحماية التي تم اعتمادها كإغلاق المتاحف السورية بشكل كامل ووضع القطع الأثرية في أماكن آمنة وتشديد أجهزة المراقبة والإنذار فيها، إضافة إلى إطلاق حملة لتوعية المجتمع المحلي بالتعاون مع وسائل الإعلام والمراكز الثقافية وتفعيل العمل على الأرشفة والحفظ والتوثيق.

الحصيلة الحقيقية للأضرار مبهمة
كما وصفت م.لينا قطيفان ما أصاب تراثنا الثقافي المسجل عالمياً خلال الأزمة بالكارثة الثقافية الحقيقية بفعل التدمير والتخريب في مختلف المواقع الأثرية المتوزعة ضمن المحافظات السورية، حيث طالت الأضرار أكثر من 600 موقع، مشيرة إلى أن مدينة حلب القديمة كانت الأكثر ضرراً ومأساة بوجود حوالي 13 منطقة متضررة بما فيها منطقة الأسواق التي شبَّ فيها الحريق في أيلول 2012 مدمراً نمط حياة ودخل الآلاف من سكان المدينة بعد أن التهمت النيران فيها ما يقارب الألفين (أي ما يعادل الثلثين) من المحلات في المدينة القديمة، وقد استمرت عملية تدمير حلب بلا هوادة حيث سُحِقت في نيسان ٢٠١٣ مئذنة المسجد الأموي التي تحولت لكومة من الأنقاض، وقد سبقها احتراق المسجد والمكتبة التاريخية التي تضم العديد من المخطوطات القديمة، مبينة-قطيفان- كذلك أن الجماعات المتطرفة عمدت خلال السنة الأخيرة إلى تفخيخ أسفل المباني الأثرية في محيط القلعة بواسطة أنفاق حُفرت خصيصاً لهذا الهدف مما أدى إلى تدمير العديد من المباني (مبنى القلم، غرفة الصناعة، فندق الكارلتون، مبنى الهجرة والجوازات، القصر العدلي) في حين وفي النصف الثاني من العام 2014 أطاحت أربعة تفجيرات ضخمة هزّت المدينة القديمة بمبنى السرايا التاريخي (الذي كان سابقاً يضمّ مكاتب المحافظة وقيادة الشرطة) وبسوق السويقة الموجود بمحيط قلعة حلب، كما تسببت بأضرار كبيرة بجامع الخسرفية وخان الشونة ومسجد السلطانية لتبقى الحصيلة الحقيقية للأضرار مبهمة لحين انتهاء الاشتباكات في المدينة القديمة.

تجربة المجتمع المحلي
يُذكَر أن الندوة كانت قد ضمت مجموعة كبيرة من المشاركات الهامة التي تحدثت عن أهمية إنشاء أنظمة قواعد للبيانات الموجودة بمديرية الآثار والمتاحف “نظام التوثيق المتحفي” للمهندس عبد السلام الميداني الذي أشار إلى وجود أول قاعدة بيانات تضم المباني والمواقع المسجلة في سورية بهدف توثيق التراث وحصر الأضرار في كل محافظة، في حين تناول أحمد فرزت طرقجي مديرية التنقيب وسياساتها خلال الأزمة، وتناول محمد نظير عوض الأضرار التي طالت المواقع الأثرية المسجلة وغير المسجلة، وكان أيمن سليمان قد تعرض للحماية القانونية للممتلكات الثقافية السورية، في حين تحدث م. الياس بطرس عن أعمال التحصين والحماية في المتاحف والمواقع الأثرية، ليتناول بدورهما د.محمود حمود تجربة المجتمع المحلي في حماية الآثار  في ريف دمشق ود.سعيد الحجى تجربة المجتمع المحلي في بصرى، ليختم د.غياث كليسلي الندوة بالحديث عن واقع النشر في مركز الباسل الذي يصدر عنه عدد من الدوريات والمؤلفات والمترجمات  المتخصصة بالآثار.
متابعة: أمينة عباس