ثقافة

فيلم “لاأحد ناقص” الحدّ من ظاهرة تسرب التلاميذ رغم الفقر

أطلقت المؤسسة العامة للسينما التظاهرة السينمائية الجديدة “اتجاهات” في سينما كندي دمشق،والتي تضم أفلاماً اختيرت بعناية ودقة، يعكس مضمونها اتجاهات فكرية وإنسانية ويمثل اتجاهات إخراجية متعددة،وتأتي هذه التظاهرة ضمن خطة المؤسسة لنشر الثقافة السينمائية من خلال التظاهرات التي تأخذ كل واحدة منها منحى خاصاً إضافة إلى مهرجان عروض أفلام حديثة جداً في الأوبرا والذي حقق نسبة متابعة كبيرة لاسيما من قبل شريحة الشباب،إضافة إلى إطلاق العروض الخاصة للأفلام التي تنتجها المؤسسة.وقد افتتحت تظاهرة “اتجاهات” بالفيلم الصيني “لاأحد ناقص” الذي كان مفاجأة للنقاد والسينمائيين حيث حصل على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي 1999 للمخرج ييمو زانغ الذي تتجه بأعماله نحو التاريخ والقضايا الاجتماعية الموجعة،ويأتي الفيلم ضمن مسار السينما الصينية التي تهتم بالتراث الإنساني والأدبي وتتناول مجمل القضايا الإنسانية والاجتماعية مركزة على التمسك بالتقاليد والأصالة،وينضوي فيلم “لا أحد ناقص” ضمن منحى الواقعية الجديدة البعيدة عن التقنيات السينمائية الصينية التي أبهرت العالم وغدت مدرسة خاصة في الإخراج السينمائي،أراد زانغ في الفيلم أن يعطي الألوية لأداء الممثلين وللصورة البصرية الواقعية البحتة.الأمر اللافت أن أبطال الفيلم مجموعة أطفال هم تلاميذ الصف الوحيد في المدرسة الخشبية القديمة التي تتعرض لارتشاح المياه من الأمطار وتهتز مقاعدها التي تحتاج إلى تثبيت،يساندون البطلة وهي المعلمة الشابة  “وي” الممثلة مينزاهي وي،وتدور أحداثه في منطقة جبلية نائية تعكس طبيعة الحياة الجبلية القاسية والفقر المدقع لسكان المنطقة مع وجود الأمل الوحيد المتمثل بمعمل القرميد الذي يمنح العمال المال القليل مقابل نقل الحجارة إلى المستودع.
يركز الفيلم بالدرجة الأولى على ظاهرة تسرب التلاميذ من المدرسة بغية العمل ومساعدة الأسرة الفقيرة وهم بسن مبكرة جداً،وظاهرة التسكع التي تؤدي إلى التسول وكما قال زانغ:(تسول الطعام ).ويتناول بصورة غير مباشرة ذوبان الذات في سبيل حماية الآخر كموقف المعلمة البديلة “وي” وتعرضها للخطر والخوف والجوع وخوضها المجهول للعثور على التلميذ المشاكس زانغ،الذي ترك القرية وذهب للعمل في المدينة لمساعدة أسرته بعد وفاة والده.
ويمضي الفيلم بتحليل جملة تناقضات بين عالم مثالي تحكمه المبادئ والقيم وعالم متلاحق متسارع مليء بأساليب الرفاهية وكل مستلزمات الحضارة تحكمه إغراءات المادة،فالمعلمة البديلة وي الصغيرة جداً والتي لم تتجاوز ثلاث عشرة سنة شغلت مكان المعلم غاو مدة شهر،ريثما يعود من زيارة أمه المريضة ووعدته بأن تحافظ على الطلاب،تمكنت من القدرة على إدارة الطلاب وتغيير طرائق التدريس التقليدية كما كان يفعل معلمهم غاو بخمد مواهبهم بالنسخ فقط معتمدة على الاستنتاج والاستقصاء للبحث عن المعلومة،وإحياء بذور المحبة بداخلهم وخلق روح التعاون بينهم،بدا هذا واضحاً في المشهد الذي يتفقون فيه على العمل معها في مصنع القرميد بنقل الحجارة لجمع مبلغ صغير من المال يمكنها من الذهاب إلى المدينة والعثور على زانغ،بعد سلسلة متاعب تصل “وي” إلى المدينة وتحاول العثور على زانغ بشتى الطرق بطرق أبواب الإعلان الصوتي ثم توجيه رسائل مكتوبة،إلى أن تنجح أخيراً بالوصول إلى التلفزيون والحصول على موافقة من مدير المحطة كي يسمح لها بتوجيه رسالة إلى زانغ للعودة،ليكشف المخرج عن كل نوازع الحب الوجداني والقلق النفسي لحظة تساقط دموعها أمام الكاميرا.
في نهاية الفيلم تنجح “وي” باستعادة زانغ والعودة إلى القرية بسيارة التلفزيون بعد أن تبرع كثيرون لإصلاح المدرسة وإحضار مستلزمات تدريسية،وينتهي الفيلم بحصول التلاميذ على كمية كبيرة من الطباشير التي كان يحرص عليها المعلم غاو لعدم توافرها،ويكتب كل تلميذ كلمة تعبّر عن مكنوناته، فكتبوا السماء – البيت – الأزهار.
ملده شويكاني