ثقافة

زنوبيا بأي ذنب قتلتِ يا سيدة الألق

التاريخ يُذبح من جديد– يُحرق على شط الحرية– وتُغتال قصائده على شط الواقع المرّ الذي نعيش، ذلك التاريخ المصلوب ظلماً كما أسياده الذين تربعوا على عرش الحضارة الإنسانية لسنوات ضوئية مضت، وهنا نسأل أنفسنا قبل أن نسأل التاريخ: هل حقاً مضت، وبتنا في قلب العجاف؟! هل مضت الحياة بدورتها، وجاءت لتهتك ستر الرموز الحضارية، وتسبي أسياد الحضارة الإنسانية؟!.
التاريخ يسبى في زمن.. أصبحت أغلبية الأمهات ثكالى– كل واحدة منهن حضارة مجروحة معلولة الخاطر– كل واحدة منهن تروي لزنوبيا روايات واشتياقات لزمن السلام– ذلك الزمن الذي بتنا نخجل عندما نتمناه أو حتى نسأل عنه، كل يبكي على هواه ولا نقول يغني، نبكي قصة وجود يريدون نسفها من الحياة، من الذاكرة التاريخية، يريدون وأد جماليات كان الأولى أن نتدثر بها، هكذا ودون مقدمات تُغتال أعمدة التاريخ، وقبل الأعمدة رجالاته– رجالات الشعاع الإنساني الأول والأخير.
إذاً التاريخ يُقتل بأي ذنب لا نعرف، والثقافة الإنسانية تُجلد وتُقتل، والموروث الحضاري الثقافي تشيّع جنازاته، هكذا يتخيلون، ما صلبوا لكن شبّه لهم، واشتبه عليهم الأمر بكل أبعاده اللاأخلاقية، زنوبيا تُقتل من جديد، وكأنها لم تكن حكاية فخار لكل العالم، أبجدية أبدية التصور، وها هي تُقتل اليوم كأي شيء جميل في بلدنا– ماذا نقول؟! أمعقول أن يغتالوا سبعة آلاف سنة، ويهدموا أيقونة الشرق العظيم؟!.
يقال: ماذا ينفع البكاء على الأطلال؟! ماذا ينفع وقد غدر الزمن بكِ يا زنوبيا، ومن قبلكِ غدر بنا، كأنها الحضارات لم تولد بعد، كأنه الزمن لم يعد بنا إلى ذاكرة الزمن الثاكل، الزمن الذي كنا نقراً– كنا نعشق– أيصح العشق في الموت، في أزمنة التخبط وهجوم الجاهلية علينا؟! التاريخ تُردم قصوره الحضارية وآثاره الشاهقة، كأن سرطان التوحش أتى إليه– مشى بجاهليته الحمقاء إلى هنا، زنوبيا تُسبى الآن على مرأى العالم، تُسبى باسم الحرية– باسم الأخلاقيات الذين هم بعيدون كل البعد عنها.
يقولون التاريخ يعيد نفسه، يكتب ذاته، ويقرأ أبجدياته مرة أخرى، لا ندري ربما لم يبق هناك تاريخ كي يعيد نفسه، وربما الشعارات أُفرغت من مضمونها، من دساتيرها، لا ندري، هناك من يرى زنوبيا ملكة التاريخ، ملكة الشمس، وهل تختبىء الشمس وراء اصبع، وراء تخوم الجهل وعناوين التخلف الأخلاقي؟!.
عذراً سيدتي كنتِ الشمس وأهداب التاريخ وعرشه الجميل، كنتِ صخرة عنيدة بوجه روما وأباطرة الطغاة، كنتِ ملكة كل شيء جميل من تاريخ وجغرافيا وحتى أشياء أخرى مازالت شاهدة على جمالك، على بريق التوهج في عينيك، فمن بريقهما كنا نقرأ التاريخ، ونتعلّم عشق الأعمدة الشاهقة.
هنا يقال لكل حصان كبوة، هل للتاريخ كبوة أيضاً، ولتاريخك على وجه الخصوص؟!.
هنا تضمحل الخصوصية قليلاً، عند عظمتكِ تتسع الأبعاد لتصبحي ملكة على الإرث الإنساني والحضاري.
عذراً يا سيدة الألق الحضاري، فمن قبلكِ نُفذ حكم الإعدام بالفيلسوف الكبير أبي العلاء المعري– نُفذ بتمثاله، وما بين زمن قتلكِ من جديد وذبح رأس أبي العلاء المعري، كانت معلولا تصرخ قائلة: لا تذبحوا حضاراتي– لا تحطموا أيقونات القداسة هنا وهناك –لا تُلبسوا وقتي ثوب جاهليتكم الحمقاء– عذراً فكل الكلمات لا تضاهي معاناة جندي  هبّ لنجدتكِ.. عذراً من جاهلية قطيع متوحش لم يرحم نبالة البشر حتى يرحم الحجر والإرث الحضاري؟!.
منال محمد يوسف