ثقافة

ماتياس إينار: ما يحصل في العالم العربي أٌسمّيه خريفاً

ماتياس إينار كاتب ومترجم فرنسي، وُلِد في نيور عام 1972، درس في معهد اللغات والحضارات الشرقية بباريس، ودرس العربية والفارسية، وأقام في الشرق، واستقر في برشلونة عام 2000 حيث يُدّرس اللغة العربية. له العديد من الروايات منها: ( شارع اللصوص)، (دقة طلقة)، رواية (زون) التي حصدت عدة جوائز ..ورواية ( حدّثهم عن المعارك والملوك والفيلة) ونالت جائزة غونكور للطلاب…و( صعود نهر الأورينوك) التي حُوّلت إلى عمل سينمائي.
وعلاقة إينار، بالثقافة العربية ليست علاقة بيولوجية ولا تاريخية أو جغرافية، بل إن الكيمياء هي التي جمعت بينه وبينها، حيث قررّ أن يتعلم اللغة العربية لعله يكتشف بعضاً من غموض الشرق وسحره، أحب أن يتعمق في دراسة “فن الإسلام” فوجد نفسه حائراً بين الثقافتين العربية والفارسية، تعلم اللغتين وانتقل من باريس إلى طهران، ومن ثم إلى القاهرة، فصنعاء وبيروت ودمشق.
ماتياس إينار الحائز جوائز أدبية عدة، لم يعد غريباً عن الشرق الحاضر في أكثر من رواية له.ولم يعد يعتبر نفسه غريباً عن “شرقنا”، فاللغة التي يتقنها ويُدرّسها منحته هوية إضافية وجعلته موجوعاً لأوجاع هذه المنطقة ومتألماً لأحوالها، كما لو أنه ابن المنطقة، يُوصِّف الحاصل فيها ،يُسّجل، يسرد، يعيد إنتاجه أدباً ناطقاً بهمومها، وفي روايته (شارع اللصوص) تغوص في مجريات أحداث المنطقة وكانت هذه الرواية قد حازت على جائزة “غونكور” خيار الشرق في باريس 2012، رواية مبهرة وصادمة برؤياها، تحمل لغة شعرية لافتة وحكايا مصاغة بعناصر تشويق واضحة، تتمدد على جميع صفحاتها التي تعدت الثلاثمئة صفحة، وهو عمل لا ينجو من المغامرة المعجونة بالفتنة التعبيرية.
تدور أحداث الرواية (شارع اللصوص) مابين طنجه وبرشلونة عبر سرد يوميات شاب مغربي هو (لخضر) الراغب في الهجرة إلى أوروبا لكنه لم ينجح في رحلته إلى إسبانيا فيقرر العودة إلى بلاده وهكذا تخيب آماله وتتبخر أحلامه بتلك المدن الأوروبية التي قرأ عنها، من خلال  بطله ( لخضر) يصف الكاتب يوميات التشرد والجوع، ما دفع البعض إلى تسمية كتاباته عن المنطقة العربية بأدب (الأندر غراوند) للربيع العربي الذي يراه خريفاً. والذي سيتحكم بمفاصل عديدة من بنيان الرواية الشاهق بتفاصيله المثيرة .تتواتر الأحداث في الرواية وتتسارع على نحوٍ مغرٍ في جوٍ من الصراع النفسي والفكري والوجودي الذي كان يرزح تحت ضغطه الكبير (لخضر) صراع الحياة والموت، صراع الفقر والغنى، الوطن الذي أمسى بعيداً والاغتراب الذي أصبح فيه في عالم لا يرحم، عالم المال والشهرة والنفوذ والاستحواذ على الصغيرة والكبيرة.
وفي لقاء أُجري مع ماتياس إينار بمناسبة صدور الترجمة العربية لروايته (شارع اللصوص) وجواباً عن سؤال إن كان يرى فيما يحصل ربيعاً عربياً. يقول: “أعتقد أنه صار معروفاً لدى الجميع أن ما يحصل اليوم هو خريف عربي. فالثورات يكون هدفها الأساسي هو التغيير، أما الثورات العربية فأحدثت تغيرات معينة إلا أنها لم تكمل طريقها وكأنها وُلدت لكي تحدث هذا التغيير وتنتهي من حيث كان يجب أن تبدأ، لكن المشكلة هي في الإعلام، وأعني هنا الإعلام الغربي الذي تناسى كل شيء وأخذ يُهلّل لما كان يحدث وكأن الثورة “العظيمة”حدثت فعلاً والضياع الذي عمَّ بُعيد ثورتي  مصر وتونس خير دليل على ما أقول. أما الواقع السوري اليوم فهو أشبه بالكارثة، بل إنه كارثة حقيقية، فأنا عشت في هذا البلد الجميل، ويعزُّ عليّ ما يجري فيها، إنه أمر لا يُصدق، إنها حرب عبثية لا أعرف كيف السبيل للخروج من أنفاقها”.
يلتقط ماتياس إينار اللحظة الراهنة، عربياً، ويعمل على تصوير منعكساتها، يفّصل في هذه اللحظة مروراً بمختلف البلدان. والأهم التلميح الضمني الذي يشتمل عليه العمل (شارع اللصوص) يوحي بنوع من كون الشارع المقصود هم الإسلاميون المتطرفون. والمفارقة التي يجيد الكاتب رسمها، أنه يجعل فترة سفر بطله تتزامن مع بداية ما أُطلق عليه (الربيع العربي) لكن البطل لا يظهر أي نوع من التعاطف مع تلك الثورات يجعله غير راغب بالانتماء إليها خلافاً لإحساسه من ثورة غضب الشارع في اسبانيا واحتجاجات الطلاب هناك، وكأنما أراد ماتياس إينار جَسْر الهوة بين ساكني حوض المتوسط، وفي التفاصيل التي يرويها الكاتب يظهر مدى الجهد الذي يُبذل لمعرفة الواقع العربي وتقاليده في تشعبات حياة أبنائه.

إبراهيم أحمد