ثقافة

حياة المبدع بين المعلن والمخفي

أمينة عباس
يعتقد الكثير من العاملين في عالم الفنون والآداب أن ما يعني المتلقين والمتابعين والمهتمين هو نوع الإبداع الذي يقدمه هؤلاء وأن الظروف المحيطة بهذا الإبداع من تفاصيل الحياة اليومية والشخصية لهؤلاء المبدعين تبقى أمراً خاصاً، ومن غير المفيد اطلاع المتلقي عليها لأن ما يهم هذا الأخير من المبدع الفنان أو الأديب هو ما ينتجه من أعمال فنية وأدبية تمتع وتفيد وتقدم العبرة والمقولة والرسالة الحضارية والإنسانية .
وعلى المقلب الآخر يشير البعض إلى أن حياة الفنان أو الكاتب الشخصية إنما تشكل بتفاصيلها ودقائقها عنصراً مكملاً لإبداع المبدع الذي لا يمكن أن نفهم أعماله التي تعبّر عن مواقفه إلا إذا أحطنا بالوجه الآخر له، أي بحياته الشخصية وعلاقاته الاجتماعية والمهنية ومجمل الظروف التي أوصلته إلى ما وصل إليه من شهرة ومكانة، لكن ثمة معضلة حقيقية تظهر هنا وهي أن الكثيرين يشككون في صحة المعلومات التي يوردها المبدعون في مذكّراتهم، ويعتقدون أن ما يدفع المبدع إلى كتابة مذكّراته ونشرها هو رغبته في إخفاء تفاصيل يتغاضى عنها ويحاول طمس معالمها أو إنكار وجودها فيما إذا وردت في مذكرات مبدع آخر عرَضاً أو عمداً، إلى درجة أن أحدهم قال ذات مرة أن “ما يدفع المرء إلى كتابة مذكراته هو وجود أشياء يريد إخفاءها من خلال تركيز الضوء على أشياء أخرى” لذلك نلاحظ أحياناً أن عدداً كبيراً من المذكرات لا يحتوي إلا على الجوانب المضيئة في حياة المبدع وهو أمر يتنافى مع بديهيات الحياة البشرية التي تقول بأن حياة الإنسان مليئة بالعيوب والمثالب مثلما هي مليئة بالأمور والنواحي الإيجابية .
والواقع أن عادة كتابة المذكرات ليست شائعة في وسطنا الفني السوري ربما لأن فنانينا منشغلون بإنجاز أعمالهم الفنية ولا يمتلكون الوقت الكافي لذلك، ومن يمتلك الوقت الكافي قد لا يجد في مسيرته الفنية والإنسانية ما يستحق أن يتحول إلى أوراق وأحبار.. وهنا لا يمكننا أن نتغافل عن التجربة التي أقدم عليها الفنان رفيق سبيعي قبل سنوات عندما نشر مذكّراته الفنية والاجتماعية ناقلاً فيها تفاصيل قد يتردد كثيرون في خوض غمارها فيما إذا أقدموا على تجارب مشابهة، حيث كان الفنان سبيعي جريئاً في طرح العديد من المواقف والقضايا ذات الطابع الشخصي البحت، مؤمناً أن كل تفصيل من تفاصيل حياة الفنان إنما تشكل ركناً هاماً من أركان إبداعه، ولا يمكن إهمال جانب منها لأن الفنان بإبداعه وفنه إنما هو ملك للناس الذين لا يكتفي معظمهم بما يقدمه الفنان من إبداع، بل يرنون إلى مشاركته حياته الاجتماعية بإيجابياتها وسلبياتها .