ثقافة

“بانتظار الياسمين” … صور إنسانية خلّفتها الحرب

الانتظار أصعب محطة يمرّ بها قطار العمر ..فكيف إذا كان انتظار الأمل والأمان والحب بعد قسوة الحرب التي أسبغت دماءَها على بياض الياسمين، في “بانتظار الياسمين” سيناريو أسامة كوكش وتوقيع المخرج سميرحسين الذي اشتُهر بسبر أغوار البسطاء والمهمشين في “قاع المدينة” والإفصاح عن أوجاعهم وأحلامهم، تناول الوجه الآخر للحرب التي لاتقتل الأشخاص فقط وتحوّلهم إلى أشلاء ممزقة، إنما تقتل إنسانية الإنسان وكل الأشياء الجميلة التي يعيش من أجلها، فصوّر تبعات الأزمة وانعكاساتها على حياة الناس الأبرياء الذين دفعوا الثمن غالياً من زوايا خلفية عبر مستويات سردية درامية مختلفة من منظور واقعي بحت بعيداً عن المؤثرات الفنية الصاخبة وعمليات الغرافيك المبهرة، وبعيداً عن تداخل مشاهد توثيقية مباشرة من نشرات الأخبار، ليبقى حضور الفنان غسان مسعود الآسر، الرابط بين الواقع والأزمة من خلال سماعه الأخبار من مذياع سيارة الشاحنة الصغيرة التي بقيت لعائلته، يرتبط بمجموعة شخوص من مختلف الانتماءات والشرائح وحدّتهم المأساة وجمعتهم في مكان واحد يواجهون فيه قدرهم المحتوم، ليكون المكان المحور الأساسي الذي بُني عليه العمل، فانطلقت الكاميرا من إحدى حدائق دمشق التي جمعت المهجّرين قسراً من منازلهم إثر الاشتباكات في المناطق الساخنة معتمداً على الصورة البصرية الجماعية المشغولة بأدوات ومفردات اختزلت الأزمة، تتخللها ومضات توثيقية خاطفة ليوميات أولئك المهجّرين، وفي الوقت ذاته يطرح تساؤلاً: هل كان هروبهم من مكان الموت من القناصين والانفجارات إلى الحديقة أماناً لهم؟ أم أنهم واجهوا حرباً من نوع آخر تمثلت بالشر الكامن داخل بعض المستغلين الأشرار الذين عملوا على سرقة بارقة الأمل من عيونهم ومحاولتهم الاستمرار ببداية جديدة، حيث  تمثل هذا الخط الدرامي بشخصية (أبو الشوق) جسدها الفنان أيمن رضا وعصابته، والذي ينسحب على كثيرين استغلوا الأزمة لمصالحهم الخاصة فكان أشد قسوةّ على سكان الحديقة من البرد والمطر والصقيع الداخلي الذي يسكنهم، محاولاً النيل منهم كما في مشاهد الخطف والسرقة والتحرش التي ارتكبها مع سكان الحديقة فخطف الأمان من قلوبهم. من هذه الحديقة التي مازال اللون الأخضر شاهداً فيها على النصر والتلاحم والتماسك يعرّي المخرج حسين البعد النفسي لحالة الضياع والتشتت الداخلي التي ألمت بجيل المثقفين الذين فجعوا باقتتال أبناء الشعب الواحد والبعد عن العدو الحقيقي كحالة “رضا”، وحال بعض الشباب الذين يقفون عاجزين عن إيقاف هذه الحرب، إلى شخصية “بريمو” بائع القهوة الذي يعيش حالة التلاشي لعدم امتلاكه أي شيء بعدما سرقت منه الأزمة كل مايملك ليبقى له الأمل المتمثل بخيط حب خفي يربطه بنجوى ابنة (أبو سليم) التي تسكن في الحديقة مع عائلتها، إلى أم عزيز – شكران مرتجى- التي ترمز بحكايتها إلى المرأة المسحوقة تحت وطأة العادات والمقهورة بالخنوع للرجل والتي هربت من شدة الاشتباكات في ضيعتها لتحترق بالحديقة ويتشوّه وجهها.
وتجولت كاميرا حسين في جوانب أخرى في الحديقة لترصد حالات اجتماعية مغرقة بالألم مثل حالة (أبو الياس) الذي يعيش وحدة خانقة في خريف العمر بعد وفاة زوجته وسفر أولاده، وأم بشيرالتي لايوجد لها مورد تعيش منه ووصفت نفسها في أحد المشاهد بأنها تعيش على الصدقة في منزل أختها، إلى الخلافات الزوجية الحادة التي تؤثر سلباً على سلوكيات الأبناء وانحرافهم، ومساحة الانحلال الأخلاقي والعلاقات غير شرعية، إلى حالات سلبية كثيرة صورها العمل. كل هذه الخطوط والحالات تشابكت في عمل يناقش الأزمة من الجانب الإنساني، لنصل في النهاية إلى أن الأزمة أدت في مطارح منها إلى أزمة أخلاق استغلها بعض السلبيين بأوجه متعددة، تتزامن مع نزوع أمل لايموت وانتظار قادم للياسمين.
“بانتظار الياسمين” من بطولة الفنانين: غسان مسعود، صباح جزائري، سلاف فواخرجي، حسام تحسين بيك، أمانة والي، جيانا عيد، محمد حداقي، أيمن رضا، شكران مرتجى، أحمد الأحمد، ومجموعة أخرى من نجوم الدراما السورية.
ملده شويكاني