ثقافةصحيفة البعث

مسرح الطفل.. ظاهرة حضارية هل نتقنها؟

أمينة عباس

تعدّدت الموضوعات التي تتناول ما يخصّ الطفل في الكثير من الفعاليات مؤخراً، وحملت عناوين مختلفة انطلاقاً من إيمان الجميع بأن الطفل هو المستقبل، ولا بدّ من ترميم ما أحدثته الحرب، وقد نالت منه، منها الندوة التي أقيمت مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة ضمن ملتقى “شام والقلم”، والتي حملت عنوان “مسرح الطفل ظاهرة حضارية هل نتقن فنونها؟”، وأدارتها الإعلامية فاتن دعبول التي أشارت بداية إلى أهمية الاهتمام بمسرح الطفل كظاهرة حضارية تحمل رؤية ثقافية وتوجهاً تربوياً يجب أن تُعنى به المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية، خصوصاً في مرحلة الحرب وما خلّفته من تبعات على المجتمع عامة والطفل بشكل خاص.

بناء إنسان المستقبل

الكاتب والمخرج المسرحي هشام كفارنة أشار في البداية إلى أن المسرح الموجّه للكبار والصغار يجب أن يحترم عقل المتلقي وألا يستهين بذائقته من خلال الاهتمام البالغ بكافة عناصر العرض المسرحي، لأن أي شخص اليوم من الجمهور قادر على المحاكمة في كلا المسرحين، على أن يكون الاهتمام مضاعفاً بمسرح الطفل من خلال عدم الاستهانة بعقله لأنه يتواطأ مع المسرحيين ويتقبّل شرطية المسرح لا عن جهل، ولكن عن رغبة منه في المشاركة باللعبة المسرحية التي تحتاج إلى الكثير من الخيال والتخييل، وهما شيئان أساسيان للممثل في المسرح وكافة الفنون الأخرى، منوهاً بضرورة إنجاز أعمال مسرحية دائمة للطفل وعدم اقتصار ذلك على مناسبات معينة، لأن هناك تعطشاً لأي ظاهرة فيها نوع من الأمل والحياة والفرح. ولم ينكر كفارنة أن العمل للطفل معقّد ويحتاج في كل عرض إلى خبير بعلم النفس والاجتماع والتربية، لأن لدى الطفل قدرة على قراءة كافة الدلالات في العرض المسرحي (اللون، الديكور، الأزياء، الإضاءة) ويلتقط الإشارات والإيماءات والحركة ويتفاعل مع كلّ ما يجري على الخشبة، وقد عزّز ذلك المسرح التفاعلي الذي يحول الطفل من مجرد متلقّ إلى مشارك وفاعل في العرض. وأوضح كفارنة أن مسرح الطفل يحتاج إلى تكاليف مادية عالية، ومن يريد أن يقدّم مسرحاً للطفل بجب ألّا يفكر بالجدوى الاقتصادية منه، لأن الجدوى الأهم في مسرح الطفل هي بناء إنسان المستقبل، لذلك يجب على الدولة بكل مؤسّساتها أن تقدم الرعاية الفائقة لهذا المسرح، وأن تبحث عن وسائل تشجع فيه القطاع الخاص على الاستثمار فيه، معبّراً عن أسفه من وجود عروض مسرحية طفلية تجارية لا قيمة لها يقدّمها أشخاص لا علاقة لهم بالمسرح، موجهاً التحية لمؤسّسي مسرح الطفل في سورية وكل المسرحيين الذين مازالوا يعملون فيه، مشيراً إلى أهمية المهرجانات المسرحية الموجهة للطفل والتي تقيمها مديرية المسارح والموسيقا.

تكاليف عالية

وتحدث زياد الموح مدير شركة ميار للإنتاج الفني عن تجربته الأولى كمنتج للعرض المسرحي الطفلي “فلة والأقزام السبعة”، مبيّناً أن ما شجعه على خوض هذه التجربة وجود أسماء مهمة فيه على صعيد الكتابة والإخراج والموسيقا والتمثيل، ثم أتبعها بمسرحية “علاء الدين والمصباح السحري”، مع تأكيده من خلال هاتين التجربتين أن تكاليف إنتاج عروض للأطفال بالشكل المطلوب تكاليف عالية، وهو كمنتج لا يستطيع أن يستمر دون دعم ووجود رعاة آخرين يشاركونه في هذا المشروع الثقافي، ورأى أن الاستمرار في تقديم هكذا عروض صعب جداً لأنه قد يكون قادراً على إنتاج خمسة عروض متتالية، لكنه سيتوقف بعد ذلك لأن تكلفة العمل تشي بأرقام هائلة بسبب الحرص على تقديم عروض مسرحية ذات سوية فنية عالية مع كتّاب ومخرجين وممثلين متميزين، منوهاً بأن هناك جهات خاصة عديدة لديها الرغبة في تمويل عروض مسرحية للأطفال لكنها تريد أن تفعل ذلك بطريقة صحيحة، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة لتكون هناك شراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال، لذلك رأى الموح أنه في ظل عدم توفر الشرط الإنتاجي الجيد الذي يشجع هؤلاء لا يمكن أن يتحقق الشرط المسرحي الصحي إلا بالتعاون والتكاتف بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.

المتعة أولاً

وخالف الناقد والمخرج علي العقباني كلّ من يقول إن النص الموجّه للطفل غير موجود، ورأى أن نصوصاً كثيرة تملأ مكتباتنا، وأسماء كثيرة كتبتْ لمسرح الطفل، وعلى من يريد أن يعمل في مسرح الطفل أن يبحث ويحسن الاختيار، مبيناً أن الكتابة لمسرح الطفل يجب أن تتوفر فيها كلّ الشروط المهنية والتقنية في مسرح الكبار على الصعيد الفني، إضافةً إلى ضرورة أن يعرف الكاتب الذي يريد أن يتوجّه للطفل ماذا يريد هذا الطفل وكيف يجب أن يرتقي إلى حيث يكون ليسعده ويمتعه، لأن أي مقولة يريد تقديمها للطفل تصبح لا قيمة لها إذا غاب عنصر المتعة، مشيراً إلى أنه يجب التركيز على المسرحيات التفاعلية لنعرف بماذا يفكر الطفل وماذا يريد، فهو كائن ذكي، وما يتخيّله أكثر ممّا يتخيله الكبار، وهذا ما يجب أن يدركه من يريد أن يتوجّه لجمهور الأطفال، وهو جمهور كبير يؤكد عليه الإقبال الكبير على عروض مسرح الطفل، وهذا يحمّل الجهات المسؤولة مسؤولية السعي لاستمراره والارتقاء به من خلال تقديم أجور مناسبة لكلّ من يعمل فيه ودعوة كلّ المهتمين للتوجه إليه كتابةً وإخراجاً وتمثيلاً حتى لا تترك الأمور للمتسلقين على هذا المسرح، مؤكداً أن من يعمل في مسرح الطفل اليوم هم الشغوفون به، لكن هذا لا يكفي لأن هؤلاء سيتركون هذا الشغف حين يحتاجون إلى ما يؤمّن لهم لقمة العيش.

عروض غير تقليدية

وبيّن الكاتب محمد الحفري أن النصوص المسرحية الموجّهة للطفل كثيرة، لكنها تحتاج إلى مخرج قادر على أن يكون خير مترجم لها من خلال البحث في مكنوناتها، وهذا الأمر يحتاج إلى كاتب ومخرج مؤمن بهذا المسرح، مع تأكيده أهمية أن تُقدّم للطفل عروض مسرحية بطرق غير تقليدية لأن مهمة المسرح إمتاع الطفل بالدرجة الأولى ثم تحقيق الفائدة، لذلك على الكاتب أن يكتب نصاً يغري الطفل منذ البداية، ودون ذلك لا يمكن شدّه، وخاصةً في عصر التكنولوجيا والإلكترونيات التي غاص فيها طفل اليوم، ودون كتابات نوعية تتوافق مع تفكير الطفل وخياله سيكون من الصعب -برأي الحفري- استعادته من هذا العالم، وهذه مسؤولية تقع على عاتق الجميع، حيث يجب تعويد طفلنا على المسرح من خلال المدارس بدايةً عبر وجود منشّط مسرحي فيها، مع إشارته إلى أن مسرح الطفل في النهاية يحتاج إلى قلوب مؤمنة به.