ثقافة

أبطال الصور

سأضع نرجيلة عن يميني وكوب “كابتشينو” على شمالي، وأنا جالس مديراً وجهي للبحر، ألفُ ساقا فوق ساق، وأراقب الغروب النشوري، ولا بد أن يأتي من يجد في جلستي الرائعة تلك، خير دليل على أننا سننتصر، يلتقط لي صورة وأنا أزفر الدخان بينما البحر يحاول أن يتسلل خلسة ليأخذ شربة صغيرة من فنجان “كابتشينو” الانتصار خاصتي.
أو ربما سأقف في أحد أزقة الشام القديمة، أسند ظهري لجدار الجامع الأموي وهو يتثاءب ويتمطى في الرابعة صباحا، كدليل لا يقبل الشك على أن النصر قادم لا ريب وأن الأمان قد حل في الربوع، وربما يمرّ سائح حرب أوروبي ضل الطريق إلى ساحات القتال وعندما مشى في الشام القديمة وشاهد الأعمدة الشاهقة التي تحمل قبة سوق الحميدية وحجارة الجامع الضخمة وأبهة مآذنه الأربع، نسي أنه قادم ليحارب وعادت له طبيعة بعض مواطنيه الاستشراقية السائحة، فوصل للمكان عينه، أذهلته وقفتي اللامبالية وأنا أضع قبعة ونظارات شمسية في الرابعة صباحا كدليل أيضا لا يقبل الشك أن روح العبث الشعري والفني لازالت تحوم في الديار حتى والحرب تئز صولاتها على بعد أمتار قليلة من وقفتي المطمئنة تلك. ليبدأ بعدها بالتقاط الصور لي وأنا اصنع بيدي شارة النصر وبعدها شارة القلب بانحناء أربعة أصابع.
كيف لا افعل ونحن شعب عصي على الانكسار، شعب تعلو أصوات بطولاته الورقية في الصور لا في غيرها.
يا قوم اذهبوا وتصوروا وبثوا صور عبثكم في كل مكان ، ليشاهد العالم بأم عينه كيف أننا نقاوم الموت بالموسيقى المتجولة والصور الذاهلة، بالمسرحيات الخائبة والأفلام الغريبة والمسلسلات الضاجة بغابات من السيقان العارية. التقطوا صورا لأنفسكم وأنتم تأكلون البوظة مثلا، أو تتبادلون اللايكات الوردية، اكذبوا على الحرب وتحايلوا على الموت بالعبث والجنون. وإذا نودي عليكم أن هبوا للذود عن الحياة التي بها تتبجحون، قلبتم مزاجكم 360 درجة وصارت الحياة لا تحتمل في هذا الوطن وحقائب الهجرة المنتظرة خلف الأبواب،تهبط من تلقاء نفسها الأدراج وتسبقكم إلى المطارات.
تحية وألف مثلها لا تكفي لكم يا رجال الجيش العربي السوري، يا من تقبضون على الحياة بأكف هائلة العزم، وأنتم تدفعون الموت بالموت، وتستردون الحياة من فك الأسى والحزن واللوعة، بينما الشمس التي ترفعها نظراتكم المقدسة، تغافلكم وتلتقط لوجوهكم صورا شمسية، ستحتفظ بها في ألبومها الخالد، عن الرجال الذين بعزم قلوبهم وبأس ألفتهم، لا زالت الأرض تدور والقمر يعود للظهور، لا زال الورد عطرا والحبق نديا والياسمين الخجول، يعتمد الأسوار ليهاجم المارة بعبقه في فجر كل يوم جديد، أنتم من صنعتموه بأنفاسكم وأنتم من رسمتم فوق جبينه شموسا لا غروب يعتريها إلا إذا أذنت نظراتكم له بأن هيا قم العشاق والشعراء وكل الناس يريدون أن يلتقطوا صورا أنت في كادرها لكي ينتصروا كأبطال حقيقيين في الصور!.
تمام علي بركات