ثقافة

البحث عن وطن

جلال نديم صالح
أثناء لقائي الأخير به كان حلم السفر قد استبد بعد فترة طويلة من الأحلام الوردية التي رسمها لمستقبله خارج أرض الوطن، وهو يحدثني عن الواقع المرير الذي يعيشه خلال الظروف التي يمر بها الوطن، مع أنه لم يخسر منزله أو عمله، ومع أن وضعه المادي مستقر وأفضل من حال الكثيرين، إلا أن صديقي الذي أعرفه منذ حوالي سبع سنوات، لم تغب فكرة السفر عن باله منذ بداية الحرب على سورية،  وكان دائم الشكوى والتذمر ولم أسمع منه سوى كلمات المُحْبَط الذي فقد كل شيء. أخيراً جمع كل ما يملك ليؤمن المال اللازم للسفر – طبعاً بطريقة غير شرعية تخفيفاً للنفقات- كما يفعل الكثيرون، وعلى اعتبار أن لدي قناعاتي الخاصة عند الحديث عن السفر بأن هناك فارقاً ما بين من يسافر من أجل حلم يريد تحقيقه، وبين من يرحل لأنه حانق على الوطن بعد أن استبد به اليأس، لأن الأول قد يعود يوماً بعد أن يحقق مراده، أما الثاني فغالباً لن يفعل، وللأسف صديقي من النوع الثاني. وفي كل مرة كنت أحدثه فيها عن خطورة المغامرة غير مضمونة النتائج  كان يسمعني الجواب الجاهز دائماً على لسانه هو وغيره من الشباب “أنت تقول هذا لأن فرصة السفر لم تتح أمامك، ولو حدث ذلك لغيّرت رأيك، وما تتحدث به عن التمسك بالوطن وحاجة الوطن لأبنائه خصوصاً في مرحلة البناء والإعمار، ليس إلا كلام عاطفي” وفي المقابل يتحدث بشغف عن الأفق المفتوح أمامه في الخارج وكأن الوطن محطة والمطلوب منه أن يحقق كل آمالنا دون أن نقدم في سبيل ذلك شيئاً.    لا أدري ماذا ألّم بشريحة واسعة من الشباب السوري، ولماذا رسموا هذه الصورة المشرقة عن السفر خارج الوطن واثقين بفرصهم في تجميع الثروة وكأن المال يتكدس في الطرقات والمطلوب فقط معول وحقيبة لجمع الثروة، ولماذا صدقوا  كذبة الديمقراطية والحرية التي يسوّقها العالم الغربي والتي – إن وجدت- فهي ليست للسوري اللاجئ الذي استقبلته تلك البلدان تحقيقاً للمكاسب السياسية وتسولاً للمساعدات باسمه.
السوري الذي سيبقى خارج حدود بلده مواطناً من الدرجة الثالثة بالتأكيد صديقي لن يكون الأول ولن يكون الأخير ممن سقطوا صرعى الوهم وهم يبحثون عن وطن دافئ ينسيهم وطنهم، وعسى أن يدفعهم الحنين يوماً إلى العودة التي ستبقى الهاجس الأكبر لديهم مهما حققوا.