بعد النجاح الذي حققته في مصياف المخرج عصام الراشد: “حكايات بعد الظهر” تنهي عروضها بنجاح في دمشق
بعد نجاح مسرحية الأطفال “حكايات بعد الظهر” والتي قدمها مؤخراً المخرج عصام الراشد في مصياف كان من الضروري أن يقدم هذا العمل في دمشق، لذلك استضافت مديرية المسارح الأسبوع الماضي هذا العرض لمدة ثلاثة أيام على خشبة مسرح القباني، مبيناً الراشد في حواره مع البعث أن عرض المسرحية في دمشق فرصة لتشاهَد من قبل جمهور مختلف إلى حد ما من جهة، ولتمكن الممثلين من اللقاء بفنانين كبار وقدامى وخبيرين في هذا النوع الفني، وثانياً لنؤكد جميعاً من خلال دمشق في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بلدنا بأن الشعب السوري هو شعب حي وصامد رغم هذه الحرب الكونية التي تشن ضدنا وتستهدف وجودنا.. من هنا يوضح الراشد أن الفرقة لم تقطع مئات الكيلو مترات للتنزه، وهي تعتبر هذا العمل واجباً أكثر منه امتيازاً، منوهاً إلى أنه على خشبة مسرح القباني بالتحديد يصبح المسرح مختلفاً، فهنا لا مجال للعواطف، فتاريخ هذه الخشبة وتاريخ من وقفوا عليها وأبدعوا يحمّله أمانة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها.
مصياف أولاً
وعن ردود الفعل على هذا العمل في مصياف أولاً ذكر الراشد أن العمل قُدم على خشبة مسرح المركز الثقافي في مصياف مدة خمسة عشر يوماً ولاقى إقبالاً كبيراً، مبيناً أن هناك عطش دائم في مصياف للمسرح، وخاصة مسرح الطفل، وهذا بفضل المركز الثقافي وفرقة صدى المسرحية صاحبة الفضل بتطوير الثقافة المسرحية ومهرجان مصياف المسرحي الذي استمر حتى دورته الثامنة.. وأسف الراشد أن ضعف الإمكانيات الفنية والمالية يقف مانعاً أمام إنتاج الأعمال المسرحية، فالمركز الثقافي في مصياف يملك صالة وخشبة مسرح بسيطة وتجهيزات إضاءة قديمة جداً، مشيراً إلى أن إدارة المركز متعاونة إلى أبعد حد ممكن، لكنها تابعة لوزارة الثقافة مديرية المراكز الثقافية، وهذه المديرية ليست مسؤولة عن إنتاج الأعمال المسرحية، ومع هذا قام المركز بتقديم مجموعة من الأعمال المسرحية الطامحة لمخرجين شباب مبدعين، لكن هذه الأعمال تبقى مرهونة بالجهود الفردية، بالإضافة إلى أنها لا تملك أي تمويل، موضحاً أن فرقة صدى المسرحية تقدم أعمالها منذ زمن باسم مديرية المسارح والموسيقى، وهنا شكر الراشد وزارة الثقافة على اهتمامهما ومتابعتها وإصرارها على التواصل مع الفنانين المعتمدين من قبلها في المحافظات للعمل على تفعيل الظاهرة المسرحية.
حكايات بعد الظهر
وأوضح الراشد أن “حكايات بعد الظهر” تأليف د.محمد قارصلي وهي تتناول من حيث المضمون موضوع الإنسان الطيب وضرورة مساعدته وعدم تركه يواجه الصعاب وحيداً، وهذا ما يمكن الأطفال من اختيار حلول إيجابية للمصاعب التي يواجهونها مستقبلاً وحلها بطريقة إيجابية مهما كانت المشكلة سلبية وصعبة، وبالتالي رغب الراشد في أن يؤكد على مقولة أنه بإمكاننا حل أكبر المشكلات بمبادرات طيبة مهما كانت هذه المشكلة صعبة ومؤذية بشكل شخصي شرط أن لا يصب الحل في مصلحتنا فقط، متناسين مصالح الآخرين أو المصلحة العامة، مؤمناً بأن الإنسان يحل المشكلات التي تواجهه في حياته من زاوية مصلحته الشخصية، وبالتالي ينسى الحقيقة أثناء سعيه للبحث عن حل لمشكلته، وهذه كارثة كبيرة، فالحقيقة ليست بحل مشكلة ما على حساب أي شيء آخر، بل البحث عن حلول تكون ملتزمة بالمصلحة العامة، أما من حيث الشكل فقد اعتمد العمل على مجموعة من فنون الأداء (خيال الظل–الدمى الكلاسيكية–الدمى القفازية–الأداء التمثيلي) وهذا باعتقاد الراشد مكَّن العمل من الوصول بيسر للأطفال الذين كانوا في كل مرة يشاهدون أسلوباً مختلفاً وجديداً، لكنه يؤكد دائماً فكرة واحدة هي أن الإنسان بإرادته يصبح كائناً طيباً. وعن كيفية تعامل الراشد مع النص بيَّن أنه لم يعمل سابقاً في مسرح الدمى أو خيال الظل, لكنه خضع لدورة “فن تصنيع وتحريك الدمى” منذ العام 2008 في مديرية المسارح والموسيقا، ورغب بأن يعتمد هذا العرض من حيث الشكل اعتماداً كبيراً على مسرح الدمى وخيال الظل لقدرة هذا الفن على التواصل العميق والمحبب مع الأطفال قبل سن المدرسة تحديداً، بالإضافة إلى الأداء التمثيلي الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على الجانب الواقعي في الحكاية.
لعبة بسيطة
وكمخرج وعلى صعيد الشكل الفني الذي يشكل لغة جديدة للأطفال عمل الراشد على إظهار واقعية ما يمكن أن يكون بالنسبة للأطفال إيهاماً وتحويله إلى منهجية لعب من الممكن أن يتعلم الأطفال تقديمها عبر الدمى المتوفرة في المنزل، أو عبر خيال الظل كطريقة عمل فني بسيطة ومحببة للأطفال، إذ تم إظهار الطريقة البسيطة التي يعتمدها هذا الفن الصعب والسهل في آن معاً والذي يشكل في حقيقته لعبة تدار بطريقة جديدة، الأمر الذي يمكّن الأطفال من إدارة وقت الفراغ في حياتهم اليومية، منوهاً إلى أنه اعتمد ختاماً للعمل لتكون التحية جزءاً أساسياً من العرض، إذ أن الممثلين يقومون بتحية الأطفال حاملين بيدهم الدمى المتنوعة وبدعوتهم إلى خشبة المسرح كي يشاهدوا الدمى ويتعاملوا مع الممثلين بشكل واقعي وهذا ما يعمل على كسر الوهم لما شاهدوه والتعاطي مع ما كان يحدث على أنه ليس سوى لعبة بسيطة ابتكرها الممثلون. ويوضح الراشد أن هذا العمل يحاول مخاطبة فئة الأطفال قبل سن المدرسة، وبالتالي لا يمكن مقارنته بالعروض السابقة التي قدمها وهو قدم في ما سبق عرضاً مسرحياً للأطفال من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا–مسرح الطفل في العام 2007 كان عنوانه “اللمسة الذهبية” لكنه كان موجهاً للفئة العمرية من 5 حتى 12 سنة، ورأى أن تلك الحكاية كانت تحمل في شكلها ومضمونها إيهاماً فنياً وتهدف إلى تقديم مقولة تربوية جاهزة للأطفال تحول الطفل إلى متلقٍّ سلبيي متحمس لما يراه خارج إطار الوعي والتدقيق في تفاصيل العمل.
مسرح الصغار للصغار أكثر أهمية
وفرّق الراشد في حواره بين مسرح الصغار للصغار والكبار للصغار، ومن وجهة نظره الشخصية اعتبر مسرح الصغار للصغار أكثر أهمية لأنه يمكّن الأطفال من العمل على إنتاج الظاهرة المسرحية، وبالتالي الحديث عنها وتحويلها إلى ثقافة ممكنة التحقيق بينهم وبإرادتهم، لكنها تتطلب إشراف خبير يساعد على إنتاج هذه الظاهرة، أما مسرح الكبار للصغار فهو يمتلك خبرة إبداعية متخصصة بإنتاج هذه الظاهرة على أن لا تكون هذه الأعمال تخاطب الأطفال على أنهم صغار، أو أن تحاول أن تحل مكان المدرسة، أو تقع في مطب الإيهام، أو تتحدث عن الغيبيات التي تبقى قضايا مبهمة وتحمل أسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا بنفس الطريقة الغيبية .
وختم الراشد حواره مبيناً أن الطفل هو عنوان الغد، وأكبر الاهتمام يجب أن يوجه إليه، لذلك بات في المرحلة الأخيرة شغله الشاغل، مشيراً إلى أنه تم الانتباه مؤخراً أثناء دورة خاصة بدراسة الألعاب الشعبية “ألعاب الحي” إلى أن هناك الكثير من الألعاب التي تحمل معاني عنيفة مثل لعبة تقول “هون ضربني عمي.. هون سرحلي دمي” فبدأ العمل على تعليم الأطفال بالتعاون مع مديرية التربية في حماه وجمعية مصياف الخيرية ألعاباً تم تغييرها من اتجاهها العنيف إلى اتجاهها الإنساني اللطيف كما حدث في نفس اللعبة التي أصبحت “هون بوسني عمي.. هون فرحلي تمي” منوهاً الراشد إلى أن الطفل يمتلك كياناً وشخصية نامية، ويجب التعامل معه بشكل علمي لا بطريقة تستخف بوعيه.
أمينة عباس