ثقافة

بدعة الملكية الفكرية تمّام علي بركات

برأيي لا يوجد اصطلاح مسف بقدر اصطلاح “الملكية الفكرية” – المنسوب تراثًا فيما يبدو للملك فكري الأول- ليس اصطلاحا مسفًّا وحسب، بل ومسيء أيضا، مسيء لكل أطرافه المتورطة فيه!.
أفهم أن يشير الاصطلاح إلى “مفهوم توثيق ملكية الفكرة نفسها”، بمعنى ألّا تقرأ نصًّا تعرف أن كاتبه ومبدعه هو فلان، ثم تجده منشورا في جهة ما باسم شخص غير صاحبه!
النصوص المكتوبة قياسا فقط، أعني كل ما يندرج تحت بند الإبداع والخلق العقلي الإنساني أدبا وفنا تحديدا يمكن سحبه تحت نفس القياس؛ ولعمري أظن أن أي مبدع يحترم نفسه ويحترم فكره في الحقيقة لا يطمح إلى أكثر من أن يتداول الناس إبداعه عن ثقة وتقدير وإعجاب واحترام وبنقدٍ أدبي قيّم، حبذا لو قبْل أن يفارق دار الإبداع، ويدهشك أن كثيرين من أصحاب القيمة الإبداعية الحقيقية قد لا يهتمون حتى للإعلان عن أنفسهم، إذ يرضيهم جدا أن يكون العمل نفسه مثار إعجاب، بغض النظر عن سيرة صاحبه!
نستطيع أن نفهم تماما الأزمة الوجودية التي يواجهها المبدع بشأن “تكاليف إعاشته” لذا اعتقد دوما أن أجلّ الإبداع هو الذي “يكلِّفُنا فلا نتكلَّف له”، وأحترم كثيرا من يتعامل مع “نتاج عقله” كـ”فائض حاجة” بحسب المنظور الاقتصادي إن جاز التعامل باصطلاحاته هنا؛الكتب، النصوص الأدبية، الشِّعر كلّها ملكية فكرية عامة، الغث قبل السمين، وعلى القارئ الناقد أن يتبيّن هذا من ذاك.
بالطريقة نفسها أتعامل مع اصطلاح “قرصنة الكتب، الموسيقى الخ” إذ أن الأصل أن يتقاتل الناس على اقتناء إبداع جيّد، والأصل أن يتقاتلوا كذلك لأجل إشاعته، والأصل أن يكون الفِكر الإنساني مشاعا من أجل حفز الابتكار، فالتنافسية -على ازدرائي التام للمصطلح وكل ما يقف محله- قد تجوز في أمور المال وتدويره ربما، وربما كانت عاملا وراء “تضخيمه” لكنّها بهذا المفهوم ليست محفّزًا خلَّاقًا أصلًا؛ إذ من أفتى بأن العقل المبدع يسير بطريقة “أنا أستطيع أن أفعل مما يفعله ذاك الشاعر أو ذاك الروائي”!.
الخلق الحقيقي ياسادة إبداع متفرّد لا يتنافس مع أحد، ولا ذاته حتى، هي عملية متصاعدة ذاتيا باستمرار، يفترض -حال صدقها- أن تسير بسلاسة تلقائية دون عوامل حفز.
أظن أن التفرّغ للإبداع -خارج إطار الصعلكة- واحترافه على نحو مهني؛ يعني أن يُكتَب في بطاقتك الشخصية، المهنة: مبدع”، هو عينه سبب تخريب الأدب، والارتزاق من ورائه، بحجة الملكية الفكرية، والقرصنة وغيره.
شخصيا، وفي حال وجود أي منتج إبداعي يحمل اسمي، يسعدني، بل ويشرفني أن يُسرق ويقرصن، ويُختطف أيضا، ليس فقط بدافع الزهو الشخصي وإنّما أيضا لأن هناك من يهتم بقراءة نص دون “تسعيرِه”!.