ثقافة

إذا وطني غلطان أنا معه

تمّام علي بركات

“إذا وطني غلطان أنا معه،إذا سخنان أنا رقوته،إذا حفيان أنا صرمايته لأنو سيدي وتاج راسي وتراب أمي فيه”.
هذه الكلمات التي توقظ الماء بالحجر، هي ليست لمزايد يجلس في الفنادق الفرنسية ويطالب بالحرية لشعب يقبض على كل لقاء يجريه للتحريض على قتله من دم هذا الشعب، كما أنها ليست كلمات عابرة لمريد شهرة وتقرب ومدع، إنها لعملاق سوري تمرّ به الغيوم إذا لوح بيديه، لفنان أكل الفن من كبده وروحه وقدم له القليل، لرجل تناطح الأقزام لينالوا من هيبته عندما قال كلمته الوحيدة “وطني على حق” منذ اللحظة الأولى التي كشرت فيها ذئاب الدول عن أنيابها بوجه وطنه، ولم يلتفت ولو لدرجة واحدة لضجة الأقزام الهائجة عند أقدامه، هي كلمات من القلب لـ “أبو ثائر” الكبير دريد لحام قالها والدموع تحاول الاختباء بين عينيه، لكنه “غوّار” والدموع لم تكن يوماً مما يتهرب منه فنان حساس وكبير مثله، فلا ضير أن يبكي الرجال عندما يرون ما يعشقونه متأذياً متألماً منكوباً.
هذه القامة السورية العظيمة وضعها “فيسبوكيو” الثورات المستوردة على لائحة قائمة العار، على اعتبار أنه لم يقف مع الشعب في “ثورته”! إلا أن عيناً ثاقبة كعين “أبو الغور” وضميراً حياً كضميره لن تخفى عليه مظاهر الخراب التي ترتدي لبوس المطالب المحقة، رأى الضبع المختبئ في ثوب الحمل، والنبتة السامة المعرشة على دالية “الأظافر”، لن تخفى على “عبد الودود” وما أخبر عنه من الأيام الأولى التي بدأ فيها العويل على نفس المنابر التي مدحته يوماً ثم شتمته، عندما لم يناسب موقفه مزاجها ولا تقلبات جيوب حكامها وصبيانها، الذين هم إن تجرؤوا وعلت همتهم فهي علت على الوطن وعلى القامات التي يفاخر بها كل سوري بكونها من ملامح لوحته التي رسمها خلال آلاف السنين بحبر الضوء وألوان الحياة. دريد لحام – أبو ثائر –غوار الطوشة- عبد الودود – هو ضمير السوريين الفني ورقيب خلجاتهم الذاهبة باللاشعور نحو الفرح الممزوج بالأسى، عندما يقول ما يقول وهو يحيا ويعيش بين ربوع الديار التي لم يهجرها يوماً، ولم يبع هواءها وماءها وترابها، فأقل ما يجب على الصغار في كل شيء -بدءاً بما تعتمر به نفوسهم وليس انتهاء بما يعلنونه على محطات يموّلها الدم لا غيره ينالون فيها بمن ينالون من الوطن الذي قالوا إنه أيضاً وطنهم وفعلوا عكس ما قالوا،فلا كانوا ولا القول-أن يخجلوا على دمهم وأن يبكوا في العلن أيضاً كما هم يبكون الآن في الخفاء ندماً. أنت يا أبو ثائر العزيز تراب أمك في هذا الوطن، ونحن أيضاً لنا فيه من نحب، غفوا على كتفه بعد أن توسدوا محبته وعشقه فهجروه إليه.