ثقافة

المبدع الفلسطيني ورؤيته الاستشرافية.. بين انتصار سورية وانتفاضة فلسطين؟

“الربيع العربي، الديمقراطية الآتية على وقع الرصاص والدم، الغرب وحلم الحرية الذي يطارد الشباب العرب للهجرة، تهجير الكفاءات وتصفية كل من يحمل جمرة الأمل..”، هي بعض صفات هذا الزمن الذي نتخبّط فيه، والذي خرج من رحم ناره حراك فلسطيني شدّ الانتباه، وخلخل التوازن الوهمي للعدو الذي راهن على موت ذاكرة هؤلاء الشباب المنتفضين، رافضي التهويد الذي رفضه قبلهم الأجداد والآباء.. الحراك الفلسطيني اليوم، والمنطقة على شفير النار، هو حراك تراكمي، ونتاج سلسلة طويلة من الموروث النضالي، بدأ في يافا عام 1920، وتواصل في انتفاضة البراق عام 1922، وفي الانتفاضتين الأولى والثانية، ومازال متواصلاً حتى اليوم.
في ظل كل هذا، ماذا يقول المناضل والمبدع الفلسطيني، والحراك الفلسطيني الشاب في أوجه، مع غياب صوت القيادات السياسية التقليدية؟ وبرأيه ما هو الدافع لانطلاق الانتفاضة الثالثة؟ وهل الحشد الشعبي اليوم يمهد فعلاً لولادة “الانتفاضة”، كما يرغب الكثيرون بتسميتها؟.

كل شيء يجرح هو سلاح
المناضل والشاعر خالد أبو خالد يقول:
لا أستطيع القول إن هذه القيادات غائبة، لكنها تطلق جملاً حماسية ليست في صلب المعركة، وتتحدث من شرفة عالية، تقول للناس: قاتلوا إنّا ها هنا قاعدون، هذا الشعب العظيم بأجياله المتعاقبة وجيله الراهن لن يعتذر، ولن يقبل عذراً من أحد، إنه يقاتل ويبلور مساره، والكل يخشاه من جماعة اوسلو، وصولاً إلى المتخاذلين من مدّعي العروبة.
هذا الجيل يعرف أنه ليس هو المحرر مباشرة، لكنه يدرك أنه رأس الحربة لأمته، وأنه يستنهضها بدمه، بحجارته، وأشجاره، وحواريه، وشوارعه، وأطفاله.
قبل أشهر، وأظنّ في تموز الماضي، أصدرتُ بياناً خاصاً بي، إذ هو بيان لا تستوعبه الفصائل، ومما أقول فيه: (أيها الشعب العظيم، كل شيء يجرح فهو سلاح.. الآن الآن وليس غداً فليحمل كل منّا ما يجرح به العدو.. قلماً أو سكيناً أو ريشة، وليحاصر مستوطناته ومستوطنيه من النقب وقطاع غزة، وصولاً إلى القدس والضفة الغربية، فالمستوطنات كلها جرائم حرب، واحتلال فلسطين منذ عام 1948 ليس سوى استيطان يعرفه العالم كله بأنه جريمة حرب).
دعينا لا نستبق الأمور، فهذه انتفاضة حقيقية، وهي استمرار لانتفاضات سابقة، ولا يجوز تصنيفها بترقيم الأولى- الثانية- الثالثة، وإنما يجوز لنا أن نقول إنها امتداد للكفاح العربي الفلسطيني في انتفاضاته المتعاقبة منذ عام 1920 وحتى الآن، وستستمر، الرهان ليس على ما ستحققه، بل على استمرارها، وعلى أنها تعي بالضبط ماذا فعلت جماعة اوسلو بانتفاضة 1987، وماذا فعلت بالانتفاضة المسلحة في الثمانينيات، ركّبوا عليها اتفاق اوسلو، بعد ذلك ركّبوا عليها المفاوضات العبثية التي غطّت حركة الاستيطان الذي تضاعف مئات المرات، إن لم نقل آلاف المرات بفضل جماعة اوسلو، وعليه أضيف: إن الواقع العربي الفلسطيني والعربي يؤشر إلى نفسه بتوجهين: الأول: هو أنه يقاتل كل قوى الإرهاب، ومن وراءهم، ومن معهم، والثاني: أنه مصمّم على تحقيق الانتصار.

الحراك رفض للاحتلال وتمسّك بفلسطين
الكاتب عدنان كنفاني:
اسمحي لي بداية أن أطرح رؤيتي المتواضعة مما سمّي (الربيع العربي)، الربيع صفة جمال، وما نشهده هو موت ودمار وعبث.. الثورات الثقافية تحتاج إلى نخبة من المثقفين الطليعيين، فهل نجد منهم (دولاً أو مؤسسات أو حتى أفراداً) من يملك الحدّ الأدنى من برنامج ثقافي غير معمّد بالدم؟.
لا شك في أن ما يجري في فلسطين جاء نتيجة استفزاز الصهاينة بطرح مشروع تقسيم الوقت بين يهود ومسلمين، (عرب وصهاينة) في المسجد الأقصى، وهو نهج في مسار تعميم التهويد، مستغلّين ما يحدث في المنطقة من فوضى، وكل ما يحدث، بلا أدنى شك، يصبّ في مصلحة (إسرائيل)، لكن ردّ الفعل الفلسطيني جاء على غير ما يتوقعون، سواء في الشتات أو في الضفة وغزّة، من رفض للاحتلال وتمسّك بفلسطين التاريخية والجغرافية.
لكنني، ومن خلال ما يجري من أحداث، لا أستطيع أن أقول إنها انتفاضة شاملة، فالانتفاضة الشاملة الفاعلة بحاجة إلى حاضنة رسمية وشعبية، وبحاجة إلى دعم مادي ومعنوي، سياسي وتعبوي، داخلي وخارجي، وبحاجة إلى قيادة، وبرنامج وأهداف، ومن المفترض أن تتوسع وتمتد بين الشرائح العمرية للفلسطينيين، شباباً وكباراً، رجالاً ونساء، فهل يمكن أن تتوفر هذه الشروط؟ هل تستطيع “السلطة” توفير هذه الشروط بداية الخروج من اتفاقية “التنسيق الأمني” مع قوات الاحتلال، والمكبّلة باتفاقيات مهينة؟ وهل تستطيع حكومة حماس في غزّة توفير هذه الشروط في ظلّ حالة الانقسام المؤلم، وحالة الحصار، والبعد المكاني، وانشغالها بأمور خارجية، وتباين المصالح؟ ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الفصائل الفلسطينية؟ وهل تستطيع أن تخرج من عباءة الاتفاقيات المقيِّدة، كي تقدّم الفعل المادي المقاوم؟!.
أقول بمرارة: إن الشباب الفلسطيني الذي يواجه قوى الشر (يا وحدهم)، وقد بدأت هذه “الهبّة”، نتيجة تراكم الظلم، والاستفزاز الأخير بردّ فعل سلمي، مسيرات ومظاهرات، وتصادم مع قوات الأمن والجيش “الإسرائيلي” هنا وهناك، بالصدور العارية، وبالحجر، ما دفع المحتلين لتصعيد فعل مواجهتهم، كما العادة، بقوة قمع مشبّعة وصلت حدّ القتل، والإعدامات العشوائية بدم بارد، ولم يتعلّم من دروس الماضي أن هذا الشعب لا يمكن أن يستسلم، أو يتراجع عن حراكه النضالي، ومواجهته لآلة الحرب الطاحنة مهما قدم من تضحيات، ودماء، ومعاناة، وأضيف: إن ما يجري الآن على أرض فلسطين من حراك نضالي هو “هبّة”، قد تصل، إذا صمدت وتطوّرت ولقيت الدعم الرسمي، إلى مستوى انتفاضة شاملة.
انتصار سورية دعم للحق الفلسطيني
يوسف كتلو- فنان تشكيلي مقيم في فلسطين:
أعتقد أن الانتفاضة الحالية التي تجري في الأرض المحتلة هي نتاج طبيعي للاحتلال  الصهيوني الجاثم على الأرض من ضغط ومضايقة للإنسان وابتلاع الأرض هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو إنتاج للوعي الوطني المتنامي لدى جيل الشباب الفلسطيني الذي أخذ على عاتقه روح المبادرة الثورية في النهوض بالشباب المقاوم في الوقت الذي فشلت قيادات التنظيمات الفلسطينية في قيادة هذه الانتفاضة.
إن ما يجري في فلسطين لا ينفصل عمّا يجري في العالم العربي من تخريب ممنهج  للبلدان العربية وفي مقدمتها سورية التي تمثل روح المقاومة والنضال العربي، إذ تقف في وجه الرجعيات العربية ودول التخلف في محميات الامبريالية والصهيونية من دول الانحطاط  الفكري، لذلك انتصار سورية اليوم هو دعم للحق الفلسطيني وللانتفاضة بنهوضها المتجدد في فلسطين، وهي السند الحقيقي لنا في نضالنا وحربنا المستمرة ضد هذا الكيان العنصري.

تبدل جذري في دائرة الصراع
الكاتبة بشرى أبو شرار- فلسطين:
فلسطين ستبقى حاضرتنا الأبدية، أيقونة التحدي وروح الصمود، وحركة المقاومة وحرب تكسير الإرادات لم تنته ولم تتوقف منذ جثم هذا الكيان الغاصب على أرضنا، منذ صار للخيمة وتد، وتناثرت مخيمات اللجوء في بلاد المنافي البعيدة، وصرنا نقرأ كلمة لاجئ، وصارت فلسطين ترسم على جدران المخيمات، يتسابق الأجيال في رسم مدنهم وقراهم ومفاتيح بيوتهم، فلسطين من مخيمات اللجوء كل يوم لها ميلاد جديد.. كل فلسطيني أينما كان لا تسقط منه ذاكرة المدينة والقرية وتاريخ النكبة وأمل العودة.. فيما الكيان الغاصب لم يوقف من شيطنة إجرامه علينا، منذ النكبة وتآمر الغرب على مقدرات شعبنا المظلوم، والمقاومة لم تتوقف ولم تهادن، ولم تنحنِ لكل المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني ومقدراته وأرضه، قضماً وتزويراً للتاريخ وتغييباً لروح البطولة، ومن ثم تضييق الخناق على كل فلسطيني يعيش على تراب وطنه، تقطيع أوصال وترسيخ العنصرية في أبشع صورها من قبل كيان عنصري موغل في الإجرام، كل هذا انتقلت تداعياته إلى الجيل الثالث إرثاً مثقلاً وحرباً لم تنطفئ جذوتها، هدفها تذويب ومحو الهوية الفلسطينية، وتشويه معالمها.
الآن الوعي الفلسطيني والموروث الحضاري والتاريخ الدامي تفجر هناك وفي هذا التوقيت وفي هذه المرحلة في كل بيت فلسطيني، بينما المظلات السياسية كانت غائبة ومغيبة لاهية في وهج المعطيات والمكتسبات على أوراق مفرغة من مضمونها من بوابات “أوسلو” والضرر الذي أصاب شعبنا الفلسطيني، لقد طغت عليهم –مع الأسف- ظاهرة المناصب والوزارات والألقاب وعلو المعاشات وكل هذه المكتسبات الواهية أخذتهم لتيه بعيد عن القاعدة الشعبية، ومتطلبات شعبهم ومأساته التي تترسخ في عمق وجدانهم يوماً بعد يوم، كل هذا عمل على توسيع الفجوة ما بين المسؤولين تحت المظلة السلطوية وبين القاعدة الشعبية التي تمور بالغليان، حيث غابت روح القائد التي كانت تبث هذا الشعب روحاً نضالية عالية وإرادة جسوراً، غابت رموز المقاومة بالاغتيالات والتصفيات الجسدية، فيما رجالها صامدون في سجون هذا المحتل الغاصب، كل هذه الترديات أعادت بناء الروح المقاومة في تشكيل جديد والذي وقوده شباب الجيل الثالث.
قد أتحفظ على لفظ “انتفاضة”، فما نعيشه الآن على الأرض الفلسطينية أخطر من الانتفاضة، بل يمكن القول إنه تحول جذري في الشخصية الفلسطينية، في كيفية مجابهة هذا الآخر المجرم، تحول وميلاد نهضة وصحوة لم تدرس في جامعات ولم تقنن في فصول كتب كعلم يدرّس، هي انقلاب لكل المعايير الدولية الصهيونية، ما تعيشه فلسطين تبدل محوري جذري في دائرة الصراع، تبدل يؤرق منامات بني صهيون ويحيل يومياتهم على أرض فلسطين التي استباحوا أرضها ومقدراتها إلى جحيم، اليوم تبدلت الحال وصاروا يمضون في شوارعنا والرعب يسكنهم، غابت الحياة عنهم وهم يقتربون من العجز عن مزاولة حياتهم الطبيعية، والفلسطيني يتنفس صلابة فُطر عليها، إرادة من روح مقاومة، وتنامي معانٍ جديدة صار يعيشها واقعاً مضمخاً بالأمل وعودة الروح النضالية التي بدأت منذ السنوات الأولى للنكبة.
كما أن ما تشهده فلسطين وسورية في إقليم شآمنا الحبيب لم ولن يغير في ثوابتنا الوطنية، ما يحدث اليوم على الأرض السورية من صور الصمود والتصدي قلب المعادلة رأساً على عقب، وأكد أن ما تعيشه منطقتنا هو حرب وجودية، وكل منا هو روح مقاومة تتماهى مع رفيق وآخر لتشكيل حشد شعبي لا بديل عنه لإسقاط المشروع الصهيوني ومن يحالفونه، حشد مقاوم غايته المنشودة إسقاط هذا الكيان الغاصب الذي ثبت أنه أوهن من بيت العنكبوت، وما يدعو للفخر وبشائر الانتصار هو مخيم “الدهيشة” في بيت لحم، حين يرفع صورة عملاقة للرئيس بشار الأسد، وهذا يحمل عمق الدلالة لنظرية التحول الشمولي لحرب إقليمية شرسة سيكون النصر فيها لمحور المقاومة والحشد الشعبي من فلسطين حتى سورية وعلى تراب شآمنا الغالية.
والمقولات الغرائبية التي نسمعها من أفواه المتشدقين بوطنية هم في أشد البعد عنها من خلال عبارة “الربيع العربي حتى آخر المهاترات الزائفة”، تعني بمفهومنا أنها ثورات عبرية إجرامية لمحو التاريخ والموروث الحضاري، هي دعوة للفوضى العارمة، ولنعيش كقطيع في تيه ممتد في صحارى ممتدة، لا هوية ولا انتماء فيها لجغرافيا الوطن.. هدفها الأوحد إسقاط الرموز الثورية والنيل منها، وخلق جيل لا يملك إلا ذاكرة سمكة كي يعيش مغتصباً مسلوباً وبلا حياة كريمة.
عبير غسان القتال