ثقافة

ميسي ورونالدو .. في اليوم العالمي للمسرح

ماذا لو كان كل من “ميسي ورونالدو” موجودين على خشبة مسرح الحمراء، يقدمان عرضاً مسرحياً مدته الزمنية تتراوح بين العشر دقائق والربع ساعة؟ ما من نص خاص بهذا العرض، ولا حتى مخرج من أي “ستاف” يضبط إيقاعه ويولف مزاجه، ولا يوجد في هذه الفرجة القصيرة أيضاً أي مكون من مكونات العرض المسرحي المتعارف عليها.
فقط ميسي ورونالدو يقفان ويتبادلان الشتائم على خشبة المسرح، ثم ينتهي العرض بأن يقوما بتوجيه الشتائم للحضور بلغة غير مفهومة.
لو حدث هذا،  ترى ما هي نسبة الحضور الجماهيري المحلي والعربي، وربما العالمي المتوقعة لهذا العرض الخالي من أي فكرة أو مضمون، فقط لاعبا كرة يقفان على خشبة يهذرا بالترهات؟ جازماً أقول بأن هذا لو حدث فإننا سنحتاج إلى المئات من رجال الشرطة وعناصر مكافحة الشغب، معهم أيضاً العديد من عناصر مكافحة المخدرات، هذا إن لم نستعن بخراطيم ماء لتفرقة الحشود وضبط توافدهم، عدا عن مشكلة نفاد التذاكر الخاصة بهذا العرض الغرائبي ومنذ اليوم الأول للإعلان عنه، ودخول السوق السوداء على الخط لبيع آلاف التذاكر المزورة.
ربما هذا واحد من الحلول التي يمكن لها أن تخرج المسرح من موته السريري البطيء الذي لا يجرؤ أحد على توصيفه أو حتى منحه طلقة الرحمة “الموت الرحيم” باعتبار أن المعاناة التي يحيا بين مفاصلها هي جزء من تكوينه النفسي والمادي.لأننا، في المقابل، إن وضعنا إعلاناً في أهم الوسائل الإعلامية عن عرض مسرحي سيجري في التوقيت ذاته للعرض السابق الطرح، وفي مسرح قريب من مسرح الحمراء، وليكن القباني مثلاً، اشتغل عليه فريق من الكُتاب والمخرجين المختصين بمشاركة أهم الأسماء الفنية من ممثلين وفنييّ ديكور وإضاءة وموسيقى وأزياء، وقدمنا البوشار والعصير والكيك مجاناً مع الفرجة وطرحنا التذاكر بثمن بخس، عدا عن التذاكر المجانية للعديد من الحضور المضطرين للتواجد في هذا العرض لا في ذاك كما يرغبون، لأسباب  تجبرهم على ذلك “كالوظيفة – البرستيج – النفاق الثقافي، وغيرها” فإننا ربما نضطر لإلغاء العرض المسرحي الحقيقي بسبب عدم وجود جمهور!
الجمهور هناك في المسرح الآخر، غارق في مسرح اللامسرح، يتابع ما لا وصف له ولو حتى الاعتباطي أو أي اسم، وهو أي الجمهور مستمتع أي استمتاع بما لا يعرف، وساهم  في الهتاف والزعيق والبكاء من فرط اللذة، وربما نسمع عن حالات انتحار لبعض الحضور لعدم تمكنهم من توقيع “طاباتهم” من السيدين “ميسي ورونالدو”!
هل ثمة من يرى أنني أبالغ في هذا الطرح أو هذا الشطح كما يحلو للبعض أن يسميه؟ بالتأكيد هناك من سيعترض على هذا الطرح من بعض المثقفين والفنانين والمهتمين بالتراث، ولكن عليهم أن يطلبوا إلى أقاربهم من اخوة وأبناء عم وغيرهم، محاولة عدم التلويح للكاميرا في حال حدثت ومرت على جمهور ميسي ورنالدو المتطوح يميناً وشمالاً على إيقاع هستيري من البصاق والسباب، فمن لا يقدر على إقناع أقرب الناس له بأهمية ما يتبناه من وجهات نظر، لن يقدر على إقناع بقية الحشود بها أيضاً.
هذا الافتراض المسلي والمقيت بآن، هو ما دار في خاطري وأنا أفكر في كتابة مقال بمناسبة يوم المسرح العالمي، الذي صادف أن سبقه بأيام قليلة حدث رياضي يعتبر الأشهر عالمياً، مباراة بين فريقين كرويين حدث والتقيا أكثر من مئة مرة سابقاً، ما من مقهى أو بيت أو حتى حديث بين اثنين إلا وكان هذا الحدث هو الشاغل الأكبر والأهم والطاغي عليه، حتى بين عشاق المسرح أنفسهم من ممثلين ومخرجين ومحبين، المقاهي مكتظة تكاد كراسيها تتحطم من الضغط والحماس، والنقاشات التي تلت العرض أو المباراة بين مشجعي الطرفين كانت حامية الوطيس، وهذا ما لا يقدر على صنعه عرض مسرحي سوري أو عربي أو عالمي، مهما أُنفق عليه من مال، باعتبار أن التمويل الشحيح لهذا الفن هو إحدى المشاكل التي تعيق تطوره وتألقه.
في يوم المسرح  كم يؤلمني أن أقول بأن المسرح لم يعد مسرحاً، ذلك المكان الساحر لم يعد حتى مهرجاً قادراً على كسب الشفقة، يبدو أنه شاخ أو صار فلكلوراً شعبياً وشيئاً من آلة التراث يرغب به بعض المهتمين”بالأنتيكا” وبعض الحالمين والعشاق، المسرح لم يعد فن الجمهور الأجمل، لم يعد  موئل وملاذ الروح الذي يؤمه الناس ليرتقوا بما يقدم وليستمتعوا بما يرون ويسمعون، كما نَظّرَّ له العديد من كبار المشتغلين فيه، وهذا التراجع الكبير لدور المسرح ليس مرده لعلة فيه، إلا أن هذا الزمان لم يعد زمان المسرح، إنه زمن آخر وجمهور آخر وعالم آخر، هذا هو السبب ببساطة واختصار شديد.
كنت قد كتبت مقالاً في الذكرى السابقة ليوم المسرح العالمي، استحضرت فيه أبا خليل القباني رائد المسرح العربي، ليرى بأم عينه أي حال هو فيها المسرح الذي أفنى حياته بين خشباته وكواليسه وفرجته.
في هذه الذكرى لن أستحضر أحداًً كي لا يصاب بالخيبة والخذلان هو بدوره، ولن أخوض بتعداد أمجاد عاش المسرح زمنها كما يليق به، في يوم المسرح أريد أن أضع وردة حمراء على خشبة المسرح، وأن أقف دقيقة صمت على أرواح من ماتوا وهم يرددون: يحيا المسرح.
تمام علي بركات