ثقافة

الهدية وصلت

أمينة عباس

منذ أفلام “بقايا صور”، و”المصيدة”، و”قتل عن طريق التسلسل”، بل وما قبل ذلك، كانت شخصية المرأة حاضرة بقوة في السينما السورية، فهي حيناً الأم الحانية على أبنائها، المستعدة لبذل الغالي والنفيس من أجل إسعادهم، وإرضائهم، وتنشئتهم التنشئة الصحيحة التي تقدمهم للمجتمع بأبهى صورة وأروعها، وحيناً آخر المرأة المناضلة من أجل حرية بلادها، وتقدم شعبها، وهي أيضاً الفتاة العاشقة المحبّة التي لا تتورّع عن القيام بأي فعل من أجل حبيبها.. والكثير الكثير من النماذج التي جعلت من المرأة محوراً أساسياً في أفلام السينما السورية منذ ستينيات القرن الفائت حتى يومنا هذا، كيف لا وهي التي شغلت في تاريخ سورية المعاصر مكانة هامة، فكانت الوزيرة، والقاضية، والأديبة، والمناضلة، والفدائية التي قدمت أروع صور ملاحم العطاء والتضحية!.
المخرج باسل الخطيب لم يخرج في ثلاثيته السينمائية التي ابتدأها بـ: “مريم”، ووسّطها بـ” الأم”، واختتمها بـ “سوريون”، عن النهج الذي سارت عليه السينما السورية في انتصارها لقضايا المرأة، لكن أفلام الخطيب هذه قد تأخذ أهمية مضاعفة حين نربطها– وهي لا شك كذلك- بمجمل ما يجري في سورية اليوم من حرب كونية تُشنّ عليها، المرأة فيها هي الضحية الأكبر لكونها أكثر الفئات الاجتماعية تضرراً وتأثراً، فهي التي فقدت الأخ والزوج والأب والابن والحبيب وهم يدافعون عنها وعن أبنائهم وبيوتهم وأحيائهم وأوطانهم، ولابد من أن هذا الواقع قد أخذه المخرج الخطيب بعين الاعتبار وهو ينفّذ أفلامه الثلاثة مقترباً من عمق الحرب على سورية، بشفافيته المعهودة، وقدرته على تصوير خلجات النفس الإنسانية، وهي تعبّر عن الواقع بأسلوب فني درامي متقن اعتاده الخطيب، وعوّد جمهوره عليه في أعماله التلفزيونية.
اليوم والجزء الثالث من ثلاثيته السينمائية الذي حمل عنوان: “سوريون”، يشغل شاشات العرض السينمائي، يكون باسل قد خطا خطوة هامة وهو يساهم في رسم صورة المرأة السينمائية، مؤكداً على محورية دورها، ومركزية فضائها، معلناً أنه ما كان ليصنع هذه الأفلام لولا تقديره لدور المرأة السورية بالأمس واليوم وغداً، وأن هذه الثلاثية ما هي إلا هدية متواضعة يقدمها لمن ضحّت بكل شيء من أجل كل شيء: الوطن والإنسان والمستقبل.