ثقافة

فاتح المدرس.. نفتقدك

أكسم طلاع
> تناولت ندوة الأربعاء الثقافية سيرة الفنان الراحل  فاتح المدرس والجوانب التعبيرية في تجربته وعُرض فيلم تسجيلي في الأمسية عن الراحل تناول مقولاته الفنية والفلسفية ومواضيع تدور حول  الفن والإنسان.
كان العرض شيقاً وغنياً بصوت الفنان الراحل يتحدث بلغته المكثفة والواخزة حينا  والمشحونة بانفعالات الفنان العجوز ذي الحاجبين المتميزين فوق نظرة حادة تنم عن شخصية مختلفة عن سواه من الفنانين المجايلين له.
لن أتحدث عن الندوة وتفاصيلها لأن ما حدثتني به السيدة نهلة هلال عن قصة بطلها الفنان الراحل يمكن أن تختصر محور هذه الندوة. قالت هلال أنه في ثمانينيات القرن الماضي  حينما كانت عضواً في نقابة الفنون الجميلة التي يرأسها الراحل المدرس، طلب من أعضاء مكتب النقابة التوجه إلى حلب للمشاركة في افتتاح مقر الاتحاد الجديد، وفي صباح اليوم المحدد انطلقت الحافلة من دمشق، إلى حلب، وقبل الوصول إلى  حمص  قال فاتح المدرس: “حذائي مغبر” لو سمحتم في أقرب محطة أسمحوا لي أن أِشتري علبة “بويا”، وعند الوصول إلى حمص أنزلتنا الحافلة في إحدى ساحاتها واتفقنا على اللقاء بعد نصف ساعة، ليذهب كلاً منا إلى غايته في المدينة، أما فاتح فغادرنا متجهاً إلى السوق لشراء حاجته التي أصبحت معروفة لدى الجميع، لكنه لم يعد في الموعد المتفق عليه، انتظرناه مزيداً من الوقت ومنحناه ربع ساعة إضافية، لكنه لم يحضر كما فعل الجميع.
ذهبت –والحديث هنا للسيدة هلال – بصحبة الفنان مجيد جمول للبحث عن صديقنا فاتح علنا نلقاه في مكان قريب من الساحة، فشهدنا جمهرة من الناس في أول الشوارع الفرعية التي تصل الساحة، وتتابع هلال: لم أتخيل أن يكون فاتح بين تلك الحشود، لكن من باب المحاولة والفضول تقدمت باتجاههم، لأجده يتشاجر مع أحدهم!. والمفاجأة أن فاتح كان قد حاول شراء طير في قفص من صاحبه الذي يصر على عدم بيعه لفاتح الذي يريد أن يطلق سراح الطير بعد أن يشتريه، متهماً البائع بسجن الطائر وحرمانه من حريته شاتماً إياه بعبارات قاسية، ومتهكما: من أعطاك الحق باصطياد هذا الطائر وسجنه في قفص؟ّ! (وكان هذا الطائر أبو منجل النادر الذي ينتشر في البادية السورية).
تدخلنا لفض الشجار راجين فاتح الذي كان في غاية الانفعال بأن مهمتنا في حلب أهم من هذا الطائر، لكنه لم يأبه لكلامنا ورد علينا بالقول: غاية المراكز الثقافية والفنون الارتقاء بالناس والمجتمع، وبناء علاقة جميلة مع المخلوقات الأخرى والعناية بمفردات الجمال وتعزيزها.
تابعنا السير إلى حلب ووصلنا إلى مقصدنا لحضور افتتاح مقر اتحاد الفنانين التشكيليين في المحافظة، وكان الوقت متأخراً، فقد سبقنا المحافظ وفنانو حلب إلى افتتاح المركز الجديد في غياب وفد النقابة الذي شغله نقيب الفنانين الراحل المدرس  في شجاره من أجل طائر!.
انتهت الندوة الثقافية! نقطة أول السطر فاتح المدرس: نفتقدك.