ثقافة

سينما الشباب والطفولة

أمينة عباس

دورة بعد أخرى يستقطب مهرجان سينما الشباب الذي تقيمه سنوياً المؤسسة العامة للسينما في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق اهتماماً جماهيرياً وإعلامياً، يعكس مدى أهمية الأعمال السينمائية التي يقدمها شباب السينما السورية، هذه الأهمية النابعة أولاً من الأشكال الفنية المبتكرة وغير التقليدية التي يقدم فيها الشباب من كتّاب ومخرجين أعمالهم، وثانياً من المضامين الواقعية والحياتية الصميمة التي تقدمها هذه الأعمال، وهي مضامين يتعلّق جلّها بالواقع السوري والنتائج الكارثية التي خلّفتها الحرب العدوانية على سورية شعباً ووجوداً.
ومما لا شكّ فيه أن هذا المهرجان أفرز عبر دوراته المتلاحقة عدداً من الأسماء السينمائية الشابة التي تمكنت من صياغة شكل جديد لسينما سورية، تتجاوز الأشكال الكلاسيكية التي سيطرت عليها لفترة طويلة من الزمن، عبر تكثيف مبدع للأفكار وحصرها في زمن محدود وقدرة على إيصال الرسالة واضحةً وكاملة.
وللوهلة الأولى يبدو منطقياً جنوح الفنانين السينمائيين الشباب نحو طرح قضاياهم ومشاكلهم وهواجسهم كشباب في هذه الأعمال، إلا أنه من الملاحظ، وخاصة في الدورة الحالية، أن هاجسهم الأول كان طرح قضايا الطفولة والأطفال، وكأننا بهم وقد تخلوا عن قضاياهم الملحّة وانبروا يدافعون عن الأجيال الجديدة التي ستأتي بعدهم بفترة وجيزة، وقد آمنوا أن المستقبل لهؤلاء الأطفال الذين إن لم نحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الصحيحة في ظل ظروف صحية، فإن المستقبل سيكون كله على كف عفريت بما في ذلك مستقبل الفئة الشابة اليوم، التي يبدو أنها ومن خلال السينما ربطت مصيرها بل ووجودها بفئة الأطفال التي تأذّت كثيراً من نتائج الحرب على سورية، بل ربما تكون الفئة الأكثر تضرراً من هذه الحرب.
هذا التوجه لسينمانا الشابة نحو الطفل وقضاياه قد يرى فيه البعض وجهاً آخر لا يخلو من سلبية، مفاده أن سينمائيينا الشباب قد وصلوا إلى مرحلة من اليأس جعلتهم يُعرِضون عن طرح قضاياهم، بعد أن لمسوا عدم جدوى طرحها فتوجهوا صوب الطفل، عسى أن يحققوا عن طريقه ما عجزوا عن تحقيقه في السينما التي تطرح قضايا كبرى.. والواقع أن وجهة النظر هذه قد تبدو مجحفة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السينما –أيّ سينما- لا بد وأن تتأثر بواقعها وبالتالي بواقع جمهورها الذي تشكل الطفولة بالنسبة إليه اليوم تحديداً وفي هذه الظروف الهمّ الأكبر من حيث العمل على تأمين مستقبل مزهر ومزدهر لفلذات أكباد ليس ذنبهم أنهم ولِدوا في زمن رديء.
باختصار.. سينمائيونا الشباب أدركوا من خلال أعمالهم أننا إن لم نعمل على ضمان حاضر ومستقبل طفل اليوم فإننا لن نضمن ألا يتحول شابُّ الغد إلى الضفة الأخرى المعادية للوطن قبل أي شيء آخر.