سعيد يوسف: الأغنية السورية تعكس أطياف المجتمع
“أنا أتقن العزف على البزق كما يتقن الفارس امتطاء الخيل، أعزف عدة ألوان ولاأخطط لبرامج حفلاتي، فحينما أقابل جمهوري على المسرح أستلهم منه ما أقدمه من أغنياتي بشكل تلقائي وأرتجل تقاسيمي”.
بهذه الكلمات بدأ العازف العالمي سعيد يوسف حديثه لـ “البعث” أثناء فترة إقامته في دمشق بعد أن تحقق حلمه بتقديم حفلات عدة على مسرح الأوبرا، لكن الأمسية التي قدمها احتفالاً بعيد النيروز لأول مرة في سورية على مسرح رسمي، وبعد توقيع سورية على اتفاقية الدول التي تحتفل بعيد النيروز، كانت تعني له الكثير.
يوسف الذي ألّف ولحّن للكثير من المطربين العرب والأجانب أكثر من ألف أغنية عربية وكردية منوعاً بين المقامات، بقي عشقه للأغنية الكردية الشعبية التي هي جزء من الأغنية السورية التي -كما يقول- تعكس أطياف المجتمع السوري وتراثه “الكردي- السرياني –الأرمني –الآشوري- العربي”. والأكراد جزء من النسيج السوري الملون، ودماؤنا مجبولة بدماء الوطن.
البيات السهل الممتنع
بدأنا الحديث عن موسيقاه والتنوع بين المقامات وألوان الموسيقا العربية والشرقية من خلال الأمسيات التي قدمها على مسرح الأوبرا فقال: “طبعاً قدمت سابقاً خمسة وأربعين مقاماً. ومن المعروف أن الأغنيات الكردية الشعبية والتراثية تعتمد على مقامي البيات والكرد، ومقام البيات بسيط وسهل وإن كان أغلب الموسيقيين يعتقدون أن مقام الرصد هو سلطان المقامات، لكن البيات أصفه “بالسهل الممتنع” وكثير من المطربين اعتمدوا البيات مثل سميرة توفيق عكس الآن،فأغلب المطربين يعتمدون على العجم والنهاوند وبعده مقام الكرد، فبالنسبة للأغنية الكردية بعض المقامات لاتتقبلها آلة البزق ولا يتقبلها الأكراد الذين اعتادوا على نمط موسيقي معين، كما تناولت الرصد والسيكا لأن جملهما اللحنية تقترب من أذواق أغلب الناس وتصل إلى قلوبهم، وأبتعد عن المقامات الصعبة.
موسيقا المنطقة
تميّزت موسيقا سعيد يوسف بأنها خليط يجمع بين عدة أنواع من الموسيقا الفارسية والعربية والتركية والسريانية والأرمنية، لكن المفاجأة أن يوسف الذي تميّز بالانتقال التمهيدي بين المقامات لم تدخل الموسيقا السريانية والأرمنية في موسيقاه كما يقول، ويضيف: بعض العازفين لاينتقلون من مقام إلى آخر بتمهيد وبمدخل من ثقل المقام إلى مقام آخر، أنا أنتقل بشكل لا يفاجئ المتلقي، وأهتم بالفواصل وبالقفلة التي أنهيها مرة بالقفلة الصادمة والقوية التي لها وقع على الجمهور، ومرة بالرش وفق الطريقة المألوفة في الموسيقا العربية، أما فيما يتعلق بتأثري بموسيقا المنطقة، فأنا لم أستفد من الموسيقا الأرمنية والسريانية، بقي اهتمامي وتأثري بالموسيقا الشرقية، الموسيقا الكردية ثم العربية ثم الفارسية ثم التركية إذ توجد قواسم مشتركة بينها، ولا أنكر أنني تأثرت في طفولتي التي عشتها في القامشلي بالتراتيل الكنسية السريانية وبالتقاسيم الأرمنية لكنها لم تدخل في موسيقاي.
حلقة شعبية
تقاسيم يوسف تثير الشجن مما جعلها موضع إعجاب زياد الرحباني الذي تبنى عشر أسطوانات له، منها أسطوانة حلقة شعبية، اشتهرت بالإيقاعيات السريعة بعد أن اطلع عليها مدونة في أحد كتبه فأراد لها الحضور في موسيقاه. ومن المعروف أن يوسف شاعر الأغنية أيضاً فيتابع: لديّ ثلاثة دواوين للأغنيات الشعبية الكردية التي ألّفتها، وبعضها باللغة الكردية الرسمية التي لها قواعد ويوجد تداخل بينها وبين اللغة العربية والفارسية، إضافة إلى الأغنيات العربية،ولديّ حالياً ما يقرب من مئة وخمسين أغنية سأجمعها في ديوان قريباً، وانتهيت من تأليف كتاب مبسط عن تعليم البزق سيطبع قريباً، يتضمن ملحقاً بالمعزوفات التي تبناها زياد الرحباني.
مستقبل البزق
حققت أمسيات الأوبرا انطلاقة جديدة لكل ألوان الأغنية السورية فسألته عن مستقبل الأغنية الكردية ومن سيتابع حمل راية البزق من بعده كما حملها من محمد عبد الكريم؟.فأجاب: ستأخذ الأغنية الكردية مكانتها مثل السريانية والأرمنية والآشورية وفي القامشلي نعيش هذا الخليط وفي أفراحنا نغني كل الألوان، وبعض المغنين الأرمن مثل الفنان آرام ديكران اشتهر بالأغنيات الكردية والآن تنطلق الأغنية الكردية انطلاقة أكبر،وكل عازفي البزق في المنطقة تقريباً يتأثرون بمدرستي، وأسلوب عزفي وريشتي وموسيقاي،والأمر اللافت أن الملحنين الأتراك أخذوا الكثير من ألحاني ووضعوا عليها مفردات الأغاني التركية، ويقولون لا نعرف اللحن؟ وبعض الملحنين الأتراك ينسبون اللحن إلى ملحن تركي.
وفيما يتعلق بالواقع الحالي لعازفي البزق فعددهم الآن أصبح كبيراً، ويتدرجون ضمن مستويات بعضهم جيد، وبعضهم متوسط، وبعضهم فوق الجيد، لكن لابد من نواقص ومن فروقات فردية فيما يتعلق بالمقامات، فبعضهم يعزفون ولا يعرفون متى يبدأ المقام ومتى ينتهي؟ أو يعزفون تقاسيم معينة لايعرفون نغماتها؟ أو بالثقافة الموسيقية العامة؟ بشكل عام هذا يدعو إلى الفرح فأنا تأثرت بأمير البزق محمد عبد الكريم الذي كنت أسمعه في الإذاعة لأنه جعل البزق يستمر، وأدخلت البزق إلى القامشلي في عام 1968، أما من سيتابع مسيرة البزق ويحمل الراية من بعدي فلا أعرف يوجد عدد من العازفين الجيدين، على سبيل الذكر ابني زورو بقي فترة طويلة في فرقة السيدة فيروز مع زياد الرحباني، وأتنبأ له بمستقبل باهر.
برامج الهواة
وفي منحى آخر يشارك يوسف في تقديم برنامج على إحدى القنوات التركية لاستقطاب المواهب الشابة،ويقدم برنامجاً آخر للسهرات الفنية للأغنية الكردية في قناة تي آر تي، لكنه كما يقول لايؤيد برامج الهواة لأنها برأيه للدعاية أكثر من الاهتمام الفني ولا تتبنى الموهوبين وتتدخل في النجاح عوامل كثيرة.
حنين
وأنهى يوسف حواره معنا بالحديث عن حنينه إلى منزله في القامشلي قائلاً: “أنا لا أستطيع أن أبتعد عن سوريتي رغم جولاتي في كل دول العالم، أتمنى أن أعود إلى منزلي في القامشلي فهو أجمل مكان بالنسبة إليّ، وأرى الآن أن دائرة الأمل تتسع وتمضي القامشلي نحو الأمان.
ملده شويكاني