ثقافة

«كلمات»في الأوبرا مهرجان يختزل صمود سورية ويدخل في أدوات الفنون كلها

كلمات.. تعشق وتشتاق وتئن وتحزن وتدمع تدخل بمفردات وأدوات كل الفنون لتشكّل لوحة بانورامية متكاملة متداخلة بين رسم الأحرف وقيثارة النغمات ولغة الجسد، كلمات معتقة بشذا الياسمين وحكاية الأبواب السبعة لأقدم مدينة في التاريخ لدمشق مدينة الحبّ والجمال، كلمات تصدت لانعكاسات سحابة الحرب التي ظلل سوادها كل مناحي حياتنا،واختزلت معاناتنا، خيمت على أجواء مهرجان”مجموعة كلمات” في الأوبرا، التي احتفلت بانطلاقتها الثالثة تحت شعار ” ثقافة من أجل الوطن”.
شغل الشعر باختلاف قوافيه وأنواعه الحيز الأكبر من المهرجان، فمضت مفردات القصيدة مع نغمات ألحان رقيقة نسجت قصيدة موسيقية، تخللتها اسكيتشات مسرحية ورقصات تعبيرية من التراث الشركسي،وأغنيات كان الحضور الأكبر فيها للبيانو.
“الوطن الكبير” عنوان الأوبريت الغنائي الذي تشارك فيه شعراء كلمات وعبّروا عن علاقة الأخوة والمحبة التي تربط سورية بسائر الدول العربية، وتألق فيه عازف العود زاهر الرفاعي.
القاسم المشترك بين الفنون كان التطرق بمباشرة فنية إلى اللجوء، والدعوة إلى العودة إلى أرض الوطن، والتشبث بانتمائنا وجذورنا. أما مفاجأة المهرجان كانت حضور الطفل حسام الحلبي الذي ألقى قصيدة تنسحب على كل أطفال سورية.
كما تألقت في المهرجان الصورة البصرية عبر شريط صور صامتة متتالية تتوقف عند منعطفات هامة من نشاطات مؤسسة كلمات في المنتديات والمهرجانات، وتظهر جمالية نهر بردى الذي تغنى به الشعراء إضافة إلى جماليات معالم دمشق القديمة.
بدا تأثر الشعراء المشاركين في المهرجان بشاعر الياسمين نزار قباني واضحاً، حيث تعددت صورهم الشعرية وقوافيهم، وقد افتتح الشاعر علي السمان المشهد الشعري بقصيدة تتحدث عن الحرب وممارسات داعش اللاأخلاقية، والشاعر محمد عيد القدة ألقى قصيدة دعا فيها إلى المحبة واحترام الآخر.
“نحاول رسم لوحات وعزف ترانيم/بحروف وخطوط وألوان/تحمل رسائل الحب والسلام/لنرتقي بها لمراتب تليق بالإنسان”.
وطرحت الشاعرة لينة نويلاتي في قصيدتها “خذ بيد المطر” تساؤلات على المنجرفين وراء العقول الظلامية “ارحلوا إلى البلاد التي فخخت عقولكم” مستشهدة بصور تشرق بتاريخ دمشق وتفتخر بزنوبيا وبلقيس وعشتار.بينما ناجى الشاعر محمد سعيد العتيق الليل على غرار الشعراء القدماء.”وا حزن نفسي كم تموت ثوان
تفنى بنوم العاشق الولهان”، وتطرقت شاعرة البنفسج هناء العمر إلى النزوح واللجوء بصور غاضبة مبيّنة الثمن الذي يدفعه اللاجئون
“تلك الأرض ليست لك/تلك الحياة للذين، ينهشون لحمك”.

سلطان الجواري
وكان الشعر المحكي حاضراً مع الشاعر ماهر محمد بقصيدة “سامحيني يمه” وزادت الموسيقا التصويرية لمسلسل حريم السلطان من جمالية الإلقاء في قصيدة دلال صالح “سلطان الجواري” إذ تقول:
“من كان عرشه سريراً/ينتقل بين الأميرة والكبيرة/بين الصغيرة والأميرة”.
كما تألقت الشاعرة هداية طعمة بقصيدتها التي تنادي بالتمسك باللغة العربية الفصحى”أنا سليلة القرآن” ونبذ العامية التي غدت تسري ضمن القوافي الشعرية، وتتالت قصائد كثير من الشعراء مثل طارق بغدادي وقصي البابا.

“خدلك سحبة” والدولار
تخلل المهرجان فواصل لاسكتشات مسرحية بدأت بالاسكيتش الساخر “خدلك سحبة” تأليف مؤيد خباز وتمثيل رانية تفوح ومؤيد خباز ولارا عياش قدم عبر مشهدية حوارية معاناة السوريين من انعكاسات الحرب على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع الدولار” الحرب بتقتل كل شي إلا الفقر”.
كما قدم الطفل قيصر السمان (اسكيتش مسرحي) من تأليف علي السمان يتطرق بمباشرة فنية إلى معاناة الطفل السوري من الحرب بدلاً من أن يعيش حياة هانئة ويتمتع فيها بلعبته، العنف الدائر حوله جعله طفلاً عدوانياً يعبّر عن تأجج الغضب بداخله بضرب لعبته بشدة محاولاً الهروب من كل الأصوات.

“صدفة وبدنا نعمرها”
اختلفت وتيرة الغضب من الاسكيتش السابق إلى اسكيتش “صدفة” نص خليفة عموري تمثيل مؤيد خباز وأحمد الأسود، الذي تميز بلغة حزينة ومفردات تتغنى بتاريخ دمشق، وأخذ طابع السجال الحواري بين شخص بقي في سورية يحتمل كل تبعات الحرب بتأكيده على إعمار البلد “بدنا نعمرها.. حنعمرها لولادنا”، وبين شخص تخلى عن كل ذكرياته وتاريخه والأهم عن كرامته وأصبح لاجئاً.

صولو بيانو
الفقرات الموسيقية كانت متتابعة كفواصل بدأت بغناء نيرمين شوقي “هذي دمشق وهذي الكأس والراح” التي سُبقت بصولو نغمات البيانو للعازف إياد جناوي والذي شكّل اللحن الأساسي للأغنية بمرافقة ألحان ،سيمون مريش على آلة الإيقاع الإسبانية “كاخون” وشادي العلي كمان، إضافة إلى الغيتار. وفي فقرة ثانية غنت باللغة الإنكليزية “لاتبك من أجل سورية” تألق فيها الكمان في مواضع ومع البيانو في مواضع أخرى، لكن الفقرة الأجمل حينما غنت نيرمين مع الطفل حسام الحلبي أغنية “عطونا الطفولة عطونا السلام” بعد أن ألقى قصيدة” صدى” للشاعر محمد عيد القدة وتميّز بإلقائه القوي وصرخاته من أجل الطفولة البريئة.

حواريات راقصة
لوحة الرقص التعبيري الشركسي المستمدة من تراثهم الذي هو جزء من تراث سورية أضفت على المهرجان سحراً مع ثنائيات حوارية تميزت بجمالية الزي الشعبي الشركسي، تبوح بها لغة الجسد فتسرد حكايات حب ومواعيد لقاء وأناشيد غزل، بدأت اللوحة برتم موسيقي هادئ متناغم مع الحركات البطيئة على أنغام الأكورديون وآلة الطبل الإيقاعية، تغيّر الإيقاع الراقص مع دخول الصوليست لتشتد سرعة الأقدام والحركات التعبيرية من خلال الثنائيات.

أنا سورية
واختتم المهرجان بالأوبريت الغنائي الذي تشارك فيه شعراء مؤسسة كلمات بتمثيل خارطة الوطن العربي، وتجسيد كل شاعر دولة من دوله بإلقاء ومضة شعرية بلهجته المحكية تعبّر عن سورية التي تفتح أبوابها لكل العرب، وترتبط مع الجميع بعلاقة أخوة ومحبة، كقول الشاعرة إيمان موصللي ممثلة العراق “من بردى للفرات يشكي الآه كل موجوع” لينتهي الأوبريت بمشاركة الشاعر علي السمان ممثل سورية “أنا سورية أنا من ترابي يخلق كل شي حي” كما دخلت مشهدية الشهيد بفنية مؤثرة من خلال تكرار”لاإله إلا الله” وقد تزامنت الومضات الشعرية التي كانت أشبه بمتتالية مع عازف العود زاهر الرفاعي الذي غنى “وطني حبيبي” بمرافقة عازف الدف جمال السقا وعازف آلة الإيقاع “جومبيل” محمد تيرو.
وحيت المطربة نيرمين شوقي الجمهور بأغنية “وطني يانبع المحبة” بمشاركة الفرقة الموسيقية وشعراء كلمات وأهدتها إلى سورية.

ملده شويكاني