الفساد والجريمة وإثارة المشاهد في مسلسل “أحمر”
يضعنا المخرج جود سعيد إزاء سؤال من الصعب الإجابة عنه مباشرةً حول رسالة العمل التي يود إيصالها، لكثرة الخطوط الدرامية المتشابكة التي تتضح شيئاً فشيئاً في ظل المحور الأساسي للعمل، وهو جريمة قتل القاضي خالد (عباس النوري)، وملابسات الكشف عن القاتل التي أوجدت سلسلة من الجرائم لقاتل مجهول الهوية، متوقفاً في الوقت ذاته عند الكثير من السلبيات الموجودة في مجتمعنا شئنا أم أبينا، والتي يكرّس وجودها الفاسدون الذين يختبئون وراء ستار العمل الاقتصادي.
ليس هذا فقط بل ذهب جود سعيد بالتعاون مع علي وجيه ويامن الحجلي بالتطرق إلى الفساد الثقافي والاجتماعي بالاتكاء على تبني مفاهيم الثقافة من خلال جمعية يمان الشام، التي تتطور وتصبح نواة لإطلاق حزب ياسمين الشام، صورياً لتتم عمليات خفية وصفقات تجارية.كل هذه الخطوط تندرج ضمن خلفية الحرب التي نعيشها موظّفاً تبعاتها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية كملامح عامة للأحداث.
الأمر اللافت الذي تناوله سعيد هو التطور الإعلامي وعدم السكوت عن الخطأ وخوض غمار تحقيقات الجريمة من خلال إحدى الشخصيات الأساسية الصحفية – المذيعة سماح (سلاف فواخرجي) التي تميّزت بأدائها العفوي البعيد عن التصنع، وإن بدا هذا المحور مبالغاً فيه لاسيما في طريقة تعاونها مع الجهات الرسمية، وبالشخصية الأولى المكلفة التحقيق بالجريمة العقيد حليم (رفيق علي أحمد). إلا أنه يظهر قدرة الإعلام على كشف القضايا الإشكالية الاجتماعية وحتى الجريمة.
في العمل أثيرت أيضاً مسائل اجتماعية مازالت محوراً لكثير من الأعمال الدرامية، منها الحبّ الذي لايكتمل لأنه ينمو بين طوائف مختلفة كما في قصة الحبّ ثلاثية الأطراف التي جمعت بين حليم ووصال (نادين خوري) وعباس (نجاح سفكوني)، إذ تقرر وصال التخلي عن حبيبها حليم وترضخ لرأي عائلتها بالزواج من عباس، لنرى خلفية هذه العلاقة من خلال الأحداث التي بقيت حاضرة في نظرات وصال وحليم حينما زارهم في المنزل، لاسيما أن علاقة صداقة قديمة تجمع بين حليم والقاضي خالد وعباس منذ أيام الجامعة، لذلك بقيت الخطوط الدرامية متشابكة نحوهم.
المسألة الاجتماعية والتربوية التي توقف عندها سعيد هي الرقابة التعليمية التي وجهت ملاحظات لمدرس مادة التاريخ عباس.إضافة إلى التفكك الأسري والزواج البارد.
الفلاش باك والزمن الحاضر
وتبدو جمالية العمل ككل في الإخراج المختلف للمخرج جود سعيد الذي يشد المتلقي إلى أجواء الجريمة والغموض المحيط بها، إذ وضع المشاهدين مباشرة إزاء الحدث بمشهد لحظة وقوع الجريمة وقتل القاضي خالد لتبدأ مجريات العمل بالتسلسل، والتقنية الأهم التي اعتمد عليها المخرج هي الفلاش باك والعودة بالأحداث إلى المرحلة الجامعية التي جمعت الشخصيات الرئيسية (خالد وحليم وعباس) تكررت هذه التقنية مع أحداث عاشتها عدة شخصيات مثل خالد وعلاقته مع الروائية لبنى (رنا جمول) زوجته الأولى، إلى وصال وعلاقتها مع حليم إلى المفاجأة بزواج خالد من فتاة شابة، ولم تكن عملية المونتاج الموظفة جيداً لإقحام هذه المشاهد وتماهيها مع مشاهد الزمن الحاضر سبب نجاحها فقط، وإنما التلاعب بالصورة الفنية ككل والإيحاء العام بزمن آخر، لتمضي أحداث المسلسل بين زمنين.
شخصية المحقق وخصوصيتها
اعتمد المخرج بالدرجة الأولى على أداء الممثل وإظهار قدرته على تمثيل الشخصية بمنحه مساحة كبيرة ليستخدم أدواته ومفرداته في التعبير عن الشخصية، وقد تفوق بعض الممثلين على آخرين، بدا هذا واضحاً في شخصية المحقق حليم (رفيق علي أحمد) الذي أقنع المشاهدين بخصوصية شخصيته وأهميتها، يشاركه في ذلك النقيب عاصي الذي قاده تهوره إلى سلسلة من الأخطاء، في حين تألقت يمان (صفاء سلطان) بأداء شخصيها المركبة بين شخصية انفعالية غاضبة تخرج عن أدبيات اللياقة اللفظية، وبين شخصية سيدة الأعمال التي تحافظ على “برستيجها” الاجتماعي، فهي ظاهرياً رئيسة الجمعية، وبالتالي الحزب الذي يتبنى حقوق المرأة، لكنها تعمل بصفقات مشبوهة في الخفاء.
المفاجأة كانت الفنانة ديمة قندلفت بشخصيتها المركبة التي أضفى حضورها جمالية على العمل فهي فنانة رقيقة تغني بلغات مختلفة، لكن الوجه الخفي لشخصيتها أنها مساعدة لرام (محمد الأحمد) أحد أقطاب الفساد وعلى علاقة معه. ومازالت الحلقات القادمة من العمل تحمل لنا الكثير من المفاجآت وصولاً إلى القاتل، ليضيف هذا العمل شيئاً إلى دراما 2016.
ملده شويكاني