ثقافة

تشويه الذوق

سلوى عباس
وصل الفن هذه الأيام إلى حالة هزيلة، فكل يوم نسمع شكوى من سخف الأغاني التي تبثها أجهزة إعلامنا المرئية والمسموعة، وهذه الشكاوى رغم أنها تتكرر وتدور حول محور واحد، إلا أنها لم تجدِ نفعاً، ولم تساهم في تقديم حل عملي لهذا الوضع، وليس المقصود –بالطبع- أن يأتي عن طريق الكتابات الناقدة، فهذه لا يمكن أن تقدم أكثر من نشر للرأي العام وإبرازه، إنما المقصود هو أن المعنيين بالأمر يتصرفون وكأنهم لا يعيشون في هذا الزمن، ويصرون على أن يتحفونا بأغان مخجلة في كلماتها وألحانها، والمؤسف أنها لمطربين لهم حضورهم على الساحة الفنية.
لو كان هذا الركام من الكلام الهزيل يبرز بين الفينة والأخرى في أغانٍ معدودة لقلنا أن لكل قاعدة شواذ، ولابأس أن تظهر أغنية هابطة مقابل عدد كبير من الأغاني المقبولة والمعقولة، أما أن تنقلب الآية ويصير الشذوذ قاعدة فهذه هي المصيبة بعينها، وهذا ما لايطاق، ويجب عدم السكوت عنه، فالمستمع لايجد من بين عشرات الأغاني التي تبث يومياً على أثير عدد كبير من إذاعات الـ “إف إم” أكثر من أغنية أو اثنتين يمكن سماعهما دون أن يشعر بالاشمئزاز، ودون أن تخرج من فمه جملة سباب وشتائم.
فإذا عدنا إلى تراثنا الفني نراه ينفصل كلياً عن مايسمى الآن فناً، فكيف بنا نقارن بين أغنيات هذه الأيام لأي مطرب أو مطربة مع أغنية للمطرب رفيق شكري مثلاً، أو أغنية لكروان أو نجيب السراج وغيرهم كثر، حيث كانت أغنياتهم تحمل في مضمونها قضايا الوطن والمواطن، وتعبّر عن بساطة الحياة والالتزام بالقيم والمبادئ التي تمثل محور حياتنا، وتؤكد على تمسكنا بأصالتنا وهويتنا، ونحن هنا لانطالب مطربو هذه الأيام أن يكونوا خارج معطيات عصرهم، لكن بالمقابل يجب أن يعلموا أن ما يقدمون من أغنيات يفرضونها على الناس بمفرداتها السيئة والبذيئة، هي ليست أكثر من فقاعة ستنتهي بوقتها ولن ترسخ في الذاكرة، من هنا تأتي المقارنة بين مايبث اليوم وما تربينا عليه من أغنيات أطلقنا عليها مصطلح “الزمن الجميل” هذه الأغنيات التي لازالت حاضرة في ذاكرتنا ووجداننا، تطربنا  في أي لحظة نسمعها.
والأمر الذي يدعو للاستغراب أن مطربي هذه الأغاني عندما يشاركون في برامج الهواة فإنهم يقدمون أنفسهم من خلال أغانٍ طربية لمطربين لهم تاريخهم الفني، فماذا يحصل لهم بعد أن يتخرجوا من هذه البرامج حتى يتحفونا بأغان تخرش مسامعنا وأذواقنا، وبالمقابل لماذا يستمر القائمون على وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيوينة ببث هذه الأغاني عبر محطاتهم؟ ألا يكفي أن الانحدار اكتنف جوانب عديدة من حياتنا، ليلاحقنا في الأغاني أيضا. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو السبب في هذه الظاهرة؟ هل هو هامشية حياتنا اليومية وتفصيلاتها؟ أم انه زمن الإسفاف والتردي.  ظاهرة من الضروري الوقوف عندها وإيجاد حل لها، ودعوة للقائمين على البرامج الفنية أن يأخذوا بالاعتبار العودة إلى التراث، وأن يكون الحاضر امتداداً للماضي، بانعكاس إيجابي تطويري وليس سلبياً كما نرى اليوم، فرفقاً بأذواق المشاهدين والمستمعين، من هذا النشاز الذي لم يعد محتملاً.