دراما الأنا المتضخمة
جلال نديم صالح
لم نسمع سابقا عن أحد الفنانين السوريين من الجيل المخضرم، الذي أسس للدراما في بلدنا أنه انسحب أو رفض المشاركة في عمل ما بسبب صغر مساحة الدور التي منحه إياها المخرج، أو لأنه قدّمه في العمل كبطل ثان أو ثالث، لأن ما شغل أولئك الفنانين الحقيقيين بالدرجة الأولى رسالة العمل عموماً، والقيمة المضافة التي ستتحقق للدراما على يد أحدهم بغض النظر عن المساحة الممنوحة له كفرد. ماجعلني أخوض في هذا الجانب ما قرأته من تعليق بعد انتهاء الجزء الثامن من باب الحارة على لسان أحد المشاركين فيه، وهو الفنان عباس النوري الذي أعلن حينها تعليق مشاركته في الجزء التاسع من المسلسل المذكور، لسخطه وعدم رضاه عن الطريقة التي رسمت بها شخصيته في الجزء السابق، والتي حوّلته إلى بطل ثان، ليعلن أيضا أن مشاركته اللاحقة مشروطة بتغيير جذري على نص الجزء التاسع واشترط الإطلاع عليه، وفي نفس الوقت أعلنت الجهة المنتجة تمسكها بـ”عباس النوري” كفنان في هذا الجزء ووضعت ذلك شرطاً لإنجازه.
ذكرت هذا المثال من باب المقارنة بين ما كان وما أصبح، بغض النظر عن باب الحارة بإيجابياته التي يراها البعض وسلبياته وفق روية البعض الآخر، هذه المواقف وغيرها الكثير مثال واضح لطبيعة الأعمال التي تسوّقها غالباً الشركات المنتجة للأعمال الدرامية في الخارج، والتي استقطبت بعض الفنانين السوريين للعمل في كنفها. هذه الشركات توغل عاماً بعد آخر في سياسة تفصيل أعمال درامية تحت مسمى “دراما سورية” على مقاس بعض الفنانين لتغدو البطولة الأحادية للفنان هي الرائجة في عمل كامل.
إن وقفة بسيطة عند طبيعة درامانا تؤكد أن ذلك لم يكن سائداً لدى مؤسسي الدراما التلفزيونية، فقد كانت البطولة الجماعية إلا فيما ندر هي الغالبة، وهي التي تركت أثراً حاضراً في ذاكرتنا حتى الآن، وهذا بالتأكيد لا يلغي ظهور فنان ما في العمل وتميزه عن سواه، لكن ليس بالطريقة التي نشهدها حالياً، خصوصا أننا حين نتحدث عن البطولة الفردية نراها رائجة وناجحة في مجال السينما، لكن هل يعني ذلك نجاحها في الدراما التلفزيونية أيضاً، وهل يستطيع الفنان أيا كان أن يكون الحامل الحقيقي لعمل درامي كامل؟ تلك أسئلة يجب التوقف عندها.
في جانب آخر ما تقدم من طرح يشير إلى خطورة أسلوب تعاطي بعض الشركات المنتجة مع النص الدرامي، بحيث لا يعود كاتب السيناريو ومخرجه سوى أحجار شطرنج تحركهما الجهة المنتجة كما تريد لتمرر وتفرض ما تريد، والأخطر دخول الفنان أيضا ليرسم الدور الذي يناسب طموحاته ويرضي غروره ونهمه للشهرة، متناسياً أنه لايعمل منفرداً بل هو جزء من طاقم فشله ونجاحه يقع على عاتق الجميع. كان ذلك ليس سوى غيض من فيض والقليل القليل مما يمرر للأسف تحت مسمى الدراما السورية، والذي يسعى يوما إثر آخر على حرفها عن البوصلة التي رسمها رواد الدراما الذين بقيت بصماتهم واضحة، رغم رحيل الكثيرين منهم عن عالمنا فهل نحترم ذلك الإرث؟