ثقافة

على ألسنة الفلاسفة والعقلاء ..

سهيل الشعار

صحيح أن النّقد والّلوم والنّصيحة والإرشاد والتّوجيه.. أمور طبيعية بين البشر, فحتى العسل نجد مَن ينتقده ويضع حوله ملاحظات. فالبشر دائماً نراهم مختلفين في الطبع والذوق والنّظر إلى الأشياء والأحياء.. لكن الأمر غير الطبيعي أن يكون الانتقاد واللوم في غير محلّه, والتّوجيهات والملاحظات في غير سياقها الصحيح والمناسب.
(إن مأساة النقد، أن النّقاد يتحوّلون إلى عمّال حفريات, فشأن بعضهم كشأن بعض الناس, ينظرون إلى السّيئة التي يبحثون عنها, لا إلى الواقع الذي أمامهم!).
النقد والنصيحة والموعظة تكون فاضلة ونبيلة إذا جاءت على ألسنة الفلاسفة والعقلاء, أما الصّغار فدائماً كانت انتقاداتهم ثرثرة وحسد وقلّة خبرة, وحبّ الظهور, فهي انتقادات ذات أصوات عالية وأفعال خاوية, ورق كثيرة من دون ثمار, وأشواك حادة من غير أزهار.
حين يسقط المطر بعنف وغزارة, قد يخرّب كل شيء.. ولن تستفيد الأرض منه بقدر استفادتها من تساقطه بلطف وهدوء على شكل زخّات خفيفة.
إن تساقط الأمطار بقوّة وغزارة قد يُحدث فيضانات وانهيارات مدمّرة تجتاج كل ما يقف في طريقها من بيوت وشجر وحجر، بينما هطول الثلوج, ونزول المطر ببطء ورويّة, يخفّف كثيراً من تلك الكوارث والإنجرافات, فكل شيء ينزل من السماء بلطف وهدوء تمتصّه الأرض بسهولة وحب دون أن يحدث لتربتها سوء هضم.
هكذا هو النّقد السّليم والبنّاء, والإرشاد الصحيح, يجب أن يحدث بلطف لكي يأتي بالخير والمحبّة على مَن حوله, فالنّفس المبدعة, العارفة والخلّاقة, تأخذه وتمتصّه كما تمتص التّربة سقوط المطر وتهاطل الثلوج, والنّفس الجاهلة المتصلّبة كالأحجار لن تستفيد منه أبداً.
إن مهمة النّقد الأساسية هي (غربلة النّصوص الأدبية, لا غربلة ونخل أصحابها, والنّاقد الذي لا يميّز بين شخصية المنقود وبين آثاره الأدبية, ليس أهلاً لأن يكون من حاملي الغربال، ولا يضيق بالنقد البّناء والسّليم إلا ذو النتاج المهزول!).
قال أحد الحكماء لابنه الأديب:
يا بني, إن كان جسمك هشّاً كالجرّة, فلتجعل أفكارك صامدة كالقلعة, وإياك أن تُغلظ القول لأي أحد, لأنك كما تُخاطِب تُجاب!.