ثقافة

ثلاثة مقامات جمعها محمد محسن في الجملة اللحنية “مظلومة يا ناس”

كثيرون يسمعون ألحانه ولايعرفون أنها له، ويعتقدون أنها للموجي أو بليغ حمدي أو الأخوين رحباني، لأنه لم يكن مولعاً ببريق الشهرة فآثر العمل بصمت رغم أنه يجاري بمقدرته الموسيقية ملحني عصره الكبار، وتميّز بأسلوب خاص بتلحين المنولوج يقارب فيه تلحين القصيدة، هذا ما ذكره الباحث وضاح رجب باشا في جلسة الاستماع الموسيقي في المركز الثقافي العربي في -أبو رمانة- وخلص إلى أن  الملحن محسن تمكّن من فهم معادلة الصوت وبناء الجملة الموسيقية، من أشهر ألحانه أغنية”مظلومة يا ناس مظلومة” التي غنتها سعاد محمد.
الأمر اللافت أنه لحّن لفيروز وصباح وسعاد محمد وسميرة توفيق ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية ونجاح سلام، ورفض مغادرة سورية للعمل خارجها لشدة ولعه بدمشق.
بدأ الباحث باشا بالسيرة الذاتية للملحن محمد محسن وهو الاسم الفني، فاسمه الحقيقي محمد الناشف ولد في دمشق عام 1922، وبرأي الباحث فإن إبداعه الموسيقي يوازي نتاج العمالقة في زمن الموسيقا الجميل أمثال السنباطي والموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي.

حياته وبداياته
درس محسن في مدرسة التجهيز وحصل على الثانوية منها ثم تعلم الموسيقا والعزف على العود على يد موسيقي خبير جداً اسمه صبحي سعيد، ويعد أحد أساتذة العود المشهورين في دمشق آنذاك، في زمن صبحي فرحات الملتزم دينياً والذي اكتفى بترشيح الموشحات.
أما حياته الفنية فقد بدأها محمد محسن مطرباً، إذ لحّن له الأستاذ صبحي سعيد أول أغنية له”أحلى يوم لي بقربك” ثم انضم إلى أسرة إذاعة دمشق في الأربعينيات مع الأستاذ صبحي سعيد الذي كان عازف عود فيها، وكان محسن يشارك في حفلات الإذاعة المباشرة، فالتقى مع مصطفى هلال وكان أيضاً أحد الملحنين في الإذاعة السورية فلحن له أغنية لقاء وأغنية أين كأسي، وبعد ذلك حدث منعطف في حياته الفنية فتحوّل من مطرب إلى ملحن، وكما بيّن الباحث باشا في سياق حديثه فإن السبب المباشر لهذا التغيير هو كثرة الأصوات في الإذاعة وقلة وجود الملحنين.
تميزت ألحان محسن بالسلاسة والطربية في آن واحد حتى في الأغنية الخفيفة التي اعتمدت على الجملة اللحنية البسيطة والنشطة، ولم تكن مبنية على التقطيع الموسيقي، ولم يعتمد على الأغاني الرائجة الشعبية المسماة بالعامية”الترديدة” وفي تلك الفترة سيطر على الساحة الفنية مع نجيب السراج وكان بينهما تنافس فني.
ثم انتقل الباحث لتحليل البنية اللحنية للأغنيات التي لحنها، مبتدئاً بأغنية الأحبة التي غنتها حنان وهي مطربة سورية في إذاعة دمشق في عام 1950، وهي أنموذج لبداياته اللحنية، وكما شرح الباحث فإن صوت حنان يضاهي صوت فايزة أحمد وأسمهان ويعدّ من أنقى الأصوات، ونجحت في تأدية الوقفات المتوافقة مع اللحن إضافة إلى براعتها في الأداء.

استرجاع الجملة اللحنية
برع محمد محسن في تلحين المنولوج المكتوب باللهجة المحكية في زمن العملاق بيرم التونسي، والمنولوج يقوم على تفعيلة أيضاً لحّنه محسن بأسلوب أقرب إلى تلحين القصيدة، من حيث المدود الطويلة والتكرار ببعض الجمل اللحنية على مبدأ استرجاع الجملة، ووقوف اللحن على ثبات المقام، والمقام الذي بُني عليه مونولوج”نسيوني حبايبي” الذي غنته ماري جبران، هو مقام الهزام، وكان محسن متأثراً بسمات العصر السائدة التي أسسها سيد درويش وملحنو عصره، والأمر الهام أنه أعطى المطربة جملاً لحنية متوافقة مع مساحة صوتها وهذا يحسب للملحن الذي فهم مساحة صوت المطربة والمقام.

مظلومة يا ناس
المرحلة الثانية من تلحينه التي توقف عندها الباحث باشا أغنية لسعاد محمد “مظلومة يا ناس مظلومة”، وكتب كلماتها زوجها محمد علي فتوح. واعتمد محسن على ثلاثة مقامات: البيات ولحن مفردة “مظلومة” على مقام آخر بيّن من خلاله حدة ارتفاع صوت الجملة الموسيقية المعبّرة على مقام بيات الشوري، وأدخل مقام الصبا  على تموجات اللحن عن الظلم. كما لحّن لفايزة أحمد من كلمات الشاعر الشريف الرضي يارب صلي على النبي المصطفى، وهي من أجمل الأغاني الدينية ذات الألحان الروحانية حيث اعتمد على جملتين لحنيتين صلوا على النبي المصطفى، وجملة الترانيم، وأوضح الباحث بأن الملحن عرف قدرة صوت فايزة أحمد المتمرد والغريب والذي يجمع بين الحزن والفرح.
الأغنية الثالثة التي توقف عندها أغنية غناها محرم فؤاد، وجاءت بماهية جديدة فالجملة قصيرة وسريعة “أبحث عن سمراء” والتي غناها فيما بعد فهد بلان، واشتُهر بها أكثر من محرم فؤاد وكان أداؤه مميزاً ومتوافقاً مع اللحن.
انقطع محمد محسن عن التلحين في نهاية التسعينيات بعد وفاة آخر العمالقة محمد عبد الوهاب، فأخلى الساحة الفنية للملحنين الجدد وابتعد، وهذا يدل على عبقريته ومجاراته كبار الملحنين.
ملده شويكاني