ثقافة

“إليك رحيلي” للشاعرة أمل ليلى.. بوح إنساني شفيف

يشغل الرثاء حيزاً هاماً في حياة الشعراء قديماً وحديثاً لا سيما ما نقله لنا الشعراء الرثاؤون، وما جسدوه من ألم الفراق الوجداني كما فعل ابن الرومي في رثاء ابنه الأوسط، وأبو البقاء الرندي في رثاء الممالك الزائلة، وهذه الخنساء تبكي أخيها صخر وأولادها وغيرهم.
وهاهي الشاعرة أمل ليلى تفيض في مجموعتها الشعرية “إليك رحيلي” بمكنوناتها الدفينة لتبوح بسرائر النفس تجاه زوجها رفيق الدرب وأخيها لتزين ديوانها بمناجاة حفيدتها وبقصيدتها سأنام أتعبني الرحيل التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة أوراق أدبية
سأنامُ أتعبني الرحيلُ … وهدَّني طولُ السّرى
كثرُ الرواح
أرهقتُها.. هذي القوادم والخوافي.. والجناح
فالسمو بالعواطف والارتقاء بالمشاعر رغم حرارة الحب وقسوة الهجر لم تفارق شاعرتنا، لتخلدها في أشعارها حتى بعد الموت والرحيل فهي تنادي روح زوجها التي يسكنها طيفه كما يسكن الجلد الجسد.
“ناء وطيفك لم يزل في خاطري
أطبقت جفني إذ حوتك محاجري
ناء وصوتك لم يزل في مسمعي
نغماً ولحناً من كمان ساحر
ناء.. وأقسم ما نأيت ولا أنا
أستطيعُ أن أنأى وحبي ناطري”.
لكنها لا تتورع أن تظهر خوفها من ذبول الزهور من بعده وأن تفتضح مشاعرها:
“خوفي حبيبي من موات زهورنا
وذبول حبي وافتضاح مشاعري
حتى إذا لف المساء حديقتي
وتضافرت أغلاله بمعابري”
أما صورة أخيها الأكبر كمال الذي اختطفه الموت مبكراً، والتي تعبق في ذاكرتها ليل نهار، هو ليل قاسٍ فتطلب من عينيها أن تجودا على من أعطى بكرم فكيف تبخل عليه بدموعها:
“ببابك كم يطول بي انتظار
ينام الدرب.. ينساني الجوار
تطول بي الدقائق والثواني
ويمضي الليل.. يعقبه النهار
ألا يا عين لو قصرت جودي
فما للجود عند أخي قرار”
وفي محطة أخرى من ديوانها تناجي حفيدتها سارة، فهي فسحة الضوء الجديد في  حياتها بعد أن انطفأ بريق النور عندها ليتجدد رحيق الأمل في قدومها إلى الحياة لتصحو من معاناتها:
“أراني كل يوم في طريقي
كنحل الغاب يبحث عن رحيق
وغام الكون وانطفأت شموع
وقد قيدت في زرد وطوق
وما من فسحة للضوء تأتي
ولا من نسمة تغري شهيقي
فأفرك عين أحلامي بكفي
وأسمع صوتها تيتا أفيقي”
ومن غيض ديوانها القصيدة التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة أوراق أدبية “سأنام أتعبني الرحيل” التي استسلمت فيها إلى الرقاد من بعد سفرها الحزين وجراحها، لتحاكي من خلالها ثوب الفانية والشيخ الذي أدمن الاتجار في بيع الفتاوى والعبر وتتمرد على قافيتها:
“سأنامُ أتعبني الرحيلُ … وهدَّني طولُ السّرى
كثرُ الرواح
سأنام قد كلت من السفر الحزين مراكبي
إني مللت الابتزاز بكل ثوب البشر
من ثوب غانية مزركشة المعاني والصور
أو ثوب شيخ أدمن الاتجار في
بيع الفتاوى والعبر”
لقد تعاملت الشاعرة أمل مع حروفها وقافيتها بجنون الفنان الذي يرى الحياة على حقيقتها دون رتوش أو مكياج، وكأنها الطفل الذي يصرخ حين يجوع ويغضب، فيبتعد عن المواراة ويفتضح صديقه ورأت أن للموتى قيمة أكبر مما كنا نمنحهم في حياتهم.
لقد كانت شاعرتنا تعيش حياة هادئة وسهلة قبل أن يتسرب إليها الألم مصحوباً بالقلق ويسكنها فانفجرت قريحتها شعرا صاخبا مرة ومتفائلا أخرى بغد أفضل.
علي ليلا