“قراءات تغوي الريح”.. تنويعات على لحن واحد
طلال مرتضى وعبر عنوانه “قراءات تغوي الريح” يستدرجنا إلى إغراء التنقل عبر صفحاته، لكن بهدوء النسيم ونعومة الحرير الذي تشي به طلاوة كلماته، وعذوبة مفرداته التي ارتحلنا فيها وتوزعت على أكثر من عنوان لرصد نتاجات أدبية تخير منها ماجادت به ذائقته المرهفة، ساكباً إياها بقراءات عمل فيها على انتقائية تتدرج بين الأسماء ذات البريق وتلك الأقل لمعاناً، بتواضع المتحيز لما يراه من معنى أكثر ماينجرف وراء سطوة الأسماء الطاغية على المشهد الثقافي في مقاربات تحليلية لفك شيفرة النصوص التي يعرضها على موشور انطباعاته.
مجمل قراءاته الناعمة لا تضعك على مفصل محدد من منظومته الفكرية بسلاسة مخاتلة للمعاني، يبقيه على مسافة متأرجحة بين العوالم التي يمضي عبر متنها.. يعتمد على ما تناثر من جمالياتها، يلتقط الجميل والآسر واللافت بروح ميالة لرؤية اللطيف والرهيف إذ إنه من الصعوبة بمكان محاورة مايكتب كاتب عن آخرين بعجالة مقالة واحدة، لكننا مع ذلك نحاول تلمس بعض عناوينه بقراءاته المختلفة من شعر ونثر ومرويات حيث يتنقل مابين الومضة والقصة القصيرة والخاطرة، والتناسلات التي تنضح عنهم تعلن عنها أسماء أصحابها مثل “باسكال صوما –أميرة عبد العزيز– رشا صادق– محمد المطرود–شوقي بزيع” وغيرهم كثيرون على اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم القطرية والفكرية، معتمدا على عناوين لها من الجاذبية والسحر على استدراج المتلقي للمضي معه في مسرات القراءة، عبر ألوان من الفنون يتوزع الحديث عنها من تراجيديا إلى الأدب الساخر، مروراً بالسير الذاتية. ولاينسى المرور ببعض المواضيع العلمية.
بانوراما واسعة يعمل عليها الكاتب متجولا بين الفنون ومعاينا لها والسؤال الذي يطرح نفسه هنا إلى أي حد تتعارض هذه الشمولية مع دقة الولوج الى خصوصية النص والوقوف على هناته والى أي حد يخاطر هذا التنوع في تلقي إيقاعات الفنون من شرك الوقوع في ضبابية الرؤية المعيقة لاستبطان أعماقها
وهل الإشارة لمواطن الضوء في أعمال أسماء لامعة وحتى الخابية منها يكفي …وهل لحظ مواطن الجمال مبرر للتغاضي عماغفلت عنه منجزاتهم وأعمالهم … قد يكون في تسليط الضوء على الصور الناقصة والمعاني الهاربة من أصحابها والنصوص غير المكتملة مايحفزهم على شحذ ملكاتهم الإبداعية وتثقيل أدواتهم الفنية بكوامن مكنوناتهم أو لحين إحداث صدمة في ثوابتهم تشبه قدح حجر الصوان لخروج الشرارة المضيئة واستيلاد الماس المكنون.
ولعل العمومية في الإنشاء لا تضع القارىء بجو العمل تماما وإنما تبقيه أسيرا لطريقة وفهم الواسطة التي تقدم الفكرة أي وقوفنا على بلاغة ولغة مرتضى أكثر من درايتنا بالعمل الذي يقرأه على أسماعنا حيث لغة النص الأصلية تبقى غائمة رغم استشهاده بالبعض مما تيسر منها حيث تحتاج النصوص إلى تفكيك عراها وروابطها الداخلية بذات أهمية ترابط معانيها العريضة والمباشرة.
طلال مرتضى الذي يطرق بيوت الأدب المتنوعة محتفياً بالعتبات وتائها بين مفصليات اللوحة مضيئا جانبا منها ومتغاضيا عن جانب آخر متسائلاً مرة ومساجلاً مرة أخرى لزوم عدسة كاميرا تسجيلية تكمن في حضوره الإعلامي الواسع والمتابعة الرصينة لأحدث إصدارات دور النشر المختلفة تقتنص ما سمح لها البهاء من تسجيله في الذاكرة والوجدان كرؤية تعد بالمزيد…المزيد في كشوفات اللغة والأدب ….
دعد ديب