ثقافة

في ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء”.. السينما حاضرة في توثيق الصورة واللحظة

لم يكن عبثاً اختيار المخرج غسان شميط والممثل عبد الرحمن أبو القاسم والأديب حسن م يوسف للمشاركة في ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء” في مكتبة الأسد بدمشق، فكل اسم من هذه الأسماء يمتلك مسيرة إبداعية ومقاومة عبر الفن السابع.. من هنا  بدأ المحور  السينمائي بإدارة أحمد هلال بعنوان “الجولان  في ذاكرة  السينما” بعرض الفيلم التسجيلي “يوميات جولانية” للمخرج شميط والذي أنتج 1987 وقد تناول فيه المخرج  اليوميات والمرويات من خلال محاكاة للسيرة الذاتية التي هي ليست سيرة شميط فقط، بل سيرة الأرض والذاكرة والمقاومة لتكون السينما حاضرة في توثيق الصورة واللحظة، وبث الحالة التي تشي أن المقاومة بنت الأرض، وقد كان هاجسه تحقيق فيلم يحكي قصة الارتباط بالأرض والوطن، بعيداً عن الشعارات برصد معاناة هذه الشريحة الاجتماعية التي ذاقت الأمرين بعد نزوحها فكان “يوميات جولانية” أول فيلم يتحدث عن نضال أهل الجولان ضد العدو الصهيوني، مصوراً معاناة المواطنين في الجولان المحتل من بطش وقسوة الاحتلال ومحاولة فرض الهوية الإسرائيلية.

الهوية
ويشير شميط  المعروف بالجولاني العنيد أنه وخلال عمله على الفيلم كانت تتراكم بين يديه مادة وثائقية ضخمة وجدت أساساً لفيلمه الروائي الطويل “شيء ما يحترق”، الذي يتحدث عن الحنين إلى الوطن ففيلم “الهوية” الذي يحمل هماً وطنياً وقومياً يطرح من خلال أحداثه مجموعة من الأفكار التي تصب في إطار المقاومة والنضال والدفاع عن الأرض، مبيناً أن الجولان حي في القلب والوجدان، وحاضر في الذاكرة دائماً، وضمن هذا الإطار تم الربط بين الجولان وفلسطين فكلاهما محتلان من العدو نفسه ولهما المصير المشترك ذاته، وتجلى هذا الارتباط الروحي من خلال بطل الفيلم الذي كان يقطن في الجليل، بينما اكتشف أن حياته السابقة التي تمثلت بتقمص روح فواز كانت في الجولان. وعن جهة الإنتاج السينمائي الوحيدة في سورية يؤكد شميط أن المؤسسة العامة للسينما تتبنى اليوم كل الأعمال التي تتحدث عن المقاومة، وقد خصصت كل إنتاجها السينمائي اليوم للحديث عن الأزمة لتكون مواكبة لما يحدث على الساحة السورية.

أخطر شاهد زور
أما الأديب حسن م يوسف الذي  يخفق قلبه من خلال الكلمة والصورة معاً والذي كتب مسلسلات: “نهاية رجل شجاع- أخوة التراب- سقف العالم- ملح الحياة” فيعترف أن الصورة هي لغة هذا العصر، وصدق برأيه من قال أن صورة واحدة تعادل 10 آلاف كلمة، منوهاً في الوقت ذاته أننا مستهدفون من خلالها، وقد أثبتت التجارب أننا كعرب أسهل ضحية لهوليود حيث الشخصية العربية مستباحة فيها دائماً، فتشوه دون أي عقبات أو عواقب، ولذلك حاول يوسف من خلال عرض شرائح سينمائية أن يقدم نوعاً من التأكيد على أننا كعرب مقصرون اتجاه أنفسنا، لأننا نترك للأعداء الفرصة لرسم شخصياتنا، وهي الشخصية التي فبركتها هوليود للعرب وأصبحت موجودة على أرض الواقع وتحارب الجيش العربي السوري، مبيناً أن الكلمة بالنسبة له لا تنافس الصورة بل تصل عبرها، ويؤسفه أننا ما زلنا ننظر للفنون الدرامية بعين الاستخفاف، في حين أن المسلسل التلفزيوني يشاهد بالملايين في الوقت الذي لا يقرأ أدبنا إلا بضعة آلاف، مركزاً يوسف في مداخلته على دور الصور في التأثير العميق على وعي المتلقي كونها تخاطب حواس المشاهد، وصولاً إلى وجدانه متطرقاً في حديثه إلى تعريف السينما الفن والصناعة والتجارة، محبذاً أن يطلق عليها اسم الفن الجامع لأنها فن يختصر الحياة، وكل الفنون، أما فلسفياً فهي فن الإيهام بالواقع مشيراً إلى أن السينما ومنذ ولادتها في باريس عبّرت عن نفسها بنوعين من الأفلام: الوثائقية التي تعيد تنظيم صور الواقع كما هي، والروائية التخييلية التي تعيد خلق الواقع دون أن تكتفي فيه وتتعداه لتقديم ما يمكن أن يحدث أيضاً، فالسينما دون خيال برأيه طائر لا يطير، موضحاً وتحت عنوان دور السينما في إيصال الحقائق أن السينما الأمريكية أخطر شاهد زور في تاريخ البشرية، وقد شهّرت بالعرب عبر السينما التي أصبحت الوسيلة الأكثر تأثيراً في العالم العربي والعالم، والتي كانت ومنذ ولادتها من أكثر الفنون تأثيراً في أنحاء العالم وقدرة على  إيصال الأكاذيب.

المقاومة جزء من حياته
ولأن الفن لديه أكثر من وسيلة حياة وتعبير، كانت له رؤيته وصوته وصورته، فالفنان عبد الرحمن أبو القاسم يعرف بالضبط  كيف يرسم فلسطين في الضمير  والقلوب، وهو الذي أمضى 15 عاماً من عمره خلف البندقية وقد ظل يقاوم لسنوات طويلة، إلى أن اكتشف فيه حقيقة نفسه فبدأ يقاوم بالكلمة والصورة والمسرح.. ومن هنا يؤكد أبو القاسم أن المقاومة جزء من حياته فأبحر في هذا المجال ولكن على جبهة الفن، مكتشفاً أن لا مسافة كبيرة بين المقاومة وحمل البندقية على الجبهة  والنضال والمقاومة عبر الكلمة والفن.  وعن رأيه بالأعمال التي تحدثت عن المقاومة يرى أنها كانت مقنعة ضمن الإمكانيات التي تصنع فيها، داعياً القطاع الخاص لإنتاج أكبر عدد ممكن من الأعمال التي تتحدث عن المقاومة.

الثقافة البصرية
كما تحدثت مديرة ثقافة ريف دمشق السيدة ليلى صعب في مداخلة لها عن أهمية الثقافة البصرية، منوهة إلى أن ما وصلنا عن طريق الصورة تكاد تعجز عنه محاضرات كثيرة، من هنا استنهضت همم الكتاب والمخرجين لتقديم أعمال فنية قادرة على التأثير بشكل كبير، خاصة أننا في ظروف نحتاج فيها لأعمال المقاومة  والنضال حيث السينما عبر أفلامها ترفع من المعنويات، مؤكدة على أن استضافة الملتقى لفنان مثل عبد الرحمن أبو القاسم لم يأت عن عبث وهو الذي تقمص شخصية ابن الجولان بشكل فريد من نوعه حيث برع في التقاط مفردات وتفاصيل  الشخصية، مطالباً المبدعين أن ينخرطوا أكثر في قضايانا لأن ما تقوله الصورة تعجز عنه الكلمة.
ونتيجة اعتذار المخرج نجدت أنزور عن المشاركة لانشغالاته تناول عمر جمعة الذي أدار المحور الثاني والذي حمل عنوان “الفن في مواجهة الفكر التكفيري” تجربة أنزور في مواجهة الفكر الديني المتطرف، عبر مجموعة من الأعمال التي استشرف من خلاها وبشكل مبكر مخاطر الفكر المتطرف على المجتمع السوري،  منوهاً إلى الشراكة التي جمعت أنزور مع الكاتب حسن م. يوسف في هذا المجال