ثقافة

أيام السينما الإندونيسية في الأوبرا

ملامح السينما الإندونيسية ضمن إطارها المحلي وخصوصيتها التي تهتم بالتركيز على جماليات سينمائية تعكس أجواء الطبيعة الساحرة في تلك الجزر البعيدة، لم تعّد مجهولة وغامضة بالنسبة للمشاهدين الذين تابعوا الأيام السينمائية الإندونيسية في الأوبرا، والتي أُقيمت على مدى ثلاثة أيام بالتعاون بين السفارة الإندونيسية ووزارة الثقافة، باختيار ثلاثة أفلام حديثة (حبيبي وعينون، خمسة سنتميتر، غرق سفينة فان ديرويجك)، وتفتح هذه المبادرة الإيجابية مداخل جديدة لعشاق السينما للتعرّف إلى معالم سينما الدول المحلية.
ثقافة السلام
وعن أهمية هذا التواصل تحدث المسؤول الثقافي في السفارة الإندونيسية السيد أمير كيندمين قائلاً: أهميته تكمن في تعريف الآخر بالثقافة الإندونيسية التي تحمل المحبة والسلام لكل الشعوب، لذلك نريد أن ننشر في سورية ثقافة السلام بعيداً عن الإرهاب وسفك الدماء،فأردنا المشاركة وتوجيه رسالة ثقافية من خلال هذه الأيام السينمائية كي نخلق جسراً من التواصل والتلاقي بين الشعوب عن طريق الثقافة، لأنها ليست حكراً على شعب معين وإنما لكافة الشعوب.
التعريف بإندونيسيا
وتم عرض فيلم وثائقي تعريفي بأجواء إندونيسيا ناطق باللغة العربية الفصحى بمثابة افتتاحية للأيام السينمائية والتعريف بالجوانب الحياتية العامة، وأهمها جمالية الطبيعة الساحرة لجزيرة سومطرة وجاوا الأكثر جمالاً وشهرة مما جعلها مطلباً للسياح من جميع أرجاء العالم، وبيّن الفيلم التطور الحضاري الذي وصلت إليه إندونيسيا في كل المجالات، وتطرق إلى القيم النبيلة التي يتحلى بها الشعب الإندونيسي المسالم من خلال تعامله مع الآخر والتعرّف إلى كل القادمين من مختلف الشعوب. وفي منحى آخر عرض بعض الثقافات الراسخة الخاصة عميقة الجذور التي تتناغم مع أسرار الطبيعة لأقصى الشرق، وتناول الصناعات التي تشتهر بها، خاصة اليدوية وأفرد مساحة لتصوير الأسواق، إضافة إلى اهتمام مطاعمها في الشوارع الرئيسية بتقديم جميع أصناف الأطعمة الشرق أوسطية والشرقية والأوروبية.
خمسة سنتيمتر
بعد الفيلم الوثائقي عُرض فيلم خمسة سنتميتر للمخرج رجال مانتوفاني بمشاركة كاتب السيناريو دوني ديرغانتورو، الناطق باللغة الإندونيسية والمترجم إلى اللغة الإنكليزية فقط، وللوهلة الأولى يبدو العنوان غريباً إلا أن المشاهد الأخيرة تكشف عن سره الغامض، إذ ينطلق الفيلم من مفهوم الذات إلى العام، من مفهوم الصداقة إلى حبّ الوطن والتشبث بالأرض، فالفيلم يدل على الطموح وتعزيز الحلم بجعله قريباً من الذات إلى هذه المسافة البسيطة. وينتمي الفيلم في مواضع كثيرة منه إلى “الديكو –دراما” فمن خلال الأحداث التي يعيشها الشخوص يقحم المخرج مشاهد كثيرة لجماليات الطبيعة لتتوقف الكاميرا عند الجبال الخضراء الشاهقة والامتداد الأزرق والنباتات الفريدة، وظّفها بذكاء إلى جانب مشاهد متعددة للحياة العامة والتنقلات بين الأمكنة  بالقطارات متوقفاً عند المحطات الضخمة، ليضيف مشاهد توثيقية للاحتفالات الجماعية الوطنية.اعتمد المخرج على الصورة البصرية بالدرجة الأولى فترك مساحة لها ليكون الفيلم أشبه بالصامت في بعض المواضع، وفي مواضع أخرى أخذت الموسيقا التصويرية والأغنية الشبابية بشكل خاص مكان الحوار بين الشخصيات الأساسية، وفي بعض المشاهد لجأ إلى تقنية الدمج بين الواقع والحلم من خلال أحلام اليقظة إثر موقف يواجهه أحد الأبطال.
تدور أحداث الفيلم حول أربعة شباب وفتاة (جينتا وأربيل وظفران ورياني وإيان) في المرحلة الجامعية كونوا مجموعة صغيرة فيما بينهم رغم اختلاف طموحاتهم وأفكارهم وميولهم، فكانت الأحداث الأولى للفيلم تهتم بتصوير التفاصيل الصغيرة التي يعيشها الشباب في يومياتهم من خلال لقاءاتهم الجماعية والتوقف عند خصوصية حياة كل واحد منهم. وهنا ركز المخرج أيضاً على جمالية الأمكنة الخاصة في لحظات التأمل مضيفاً مؤثرات فنية تغني الحدث تتمثل بالإضاءة الليلية والأمطار من خلف الزجاج كإيحاءات رومانسية.
وطن واحد
في القسم الثاني من الفيلم تتغير الصورة البصرية حينما يقرر الأصدقاء خوض مغامرة تسلق قمة جبل جزيرة جاوا وتسمى قمة ماهاميرو، فيعتمد المخرج على تقنية اللقطة الطويلة لمراحل التسلق والنوم في الخيام والصعوبات التي يواجهونها مثل نقص الطعام والماء والبرد، لنصل إلى المشهد الحاسم والمفاجأة  التي تظهر ذكاء المخرج بالتأثير على المشاهد حينما يحدث انهدام في بعض الصخور فتتساقط على المجموعة فتصاب ديندا شقيقة آرييل بأذنها وتفقد السمع إثر تدفق الدماء، ليترك الكاميرا تتحرك بصمت مطبق، يتبعه مشهد آخر بإصابة إيان في رأسه فتفشل كل محاولات أصدقائه بإنقاذه، لكن المخرج يفاجئ المشاهدين باستعادة وعيه وإعادة حاسة السمع لديندا، فيتابع الجميع مسيرهم ليصلوا إلى القمة ويرفعون علم إندونيسيا، وتتضح رسالة الفيلم بأن الوطن للجميع رغم اختلاف الدين والأهواء والميول الكل يتوحد في وطن واحد.
مايؤخذ على الفيلم الإطالة في المشاهد ورتابة الأحداث وتكرارها من زوايا مختلفة للكاميرا لاسيما في المشاهد الطبيعية، وفي المشاهد الأخيرة بعد أن تزوج أفراد المجموعة ومرت سنوات والتقوا من جديد.
ملده شويكاني