ثقافة

“المختصر المفيد في حرب الشعب السوري العنيد” وثيقة حياتية من لحم ودم

تعتبر تجربة الصحفي والكاتب “نبيل صالح” في العمل الصحفي، والتي يمكن نعتها بـ”فوق المشاكسة” من التجارب السورية الهامة في هذا الميدان، فالرجل الذي يحمل إرثاً عائلياً معرفياً يفاخر فيه ويباهي بعمقه وأساسه المتين في تنشئة وجدانه وضميره، لم يكن ليتخلى عن رأيه النقدي والواضح في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغيرها من الجوانب الحياتية السورية بتفاصيلها المعاشة وبشكل يومي، سواء كان جالسا على طاولته الصغيرة في مبنى جريدة الزميلة “تشرين” يخط “شغب” الزاوية الأسبوعية الناقدة، التي كانت من الزوايا النقدية اللاذعة، أو في مبنى البرلمان السوري، الذي صار من أعضائه في الدورة الأخيرة، حيث يتابع “صالح” حياته البرلمانية بروح صحفي أيضا يسأل ويستقصي ويشاغب بما تعني هذه المفردة في عالم الصحافة من مماحكة مع السلطة التنفيذية، وانتقاد لاذع للسلبيات التي تظهر هنا أو هناك، في العمل والشارع والحقل والمدرسة، وأينّ يجب أن يكون فسيكون برأيه الواضح والمحدد، لكنه الشخص ذاته الذي كان على طاولة صغيرة، وهذا ما سيبدو جليا في كتابه “المختصر المفيد في حرب الشعب السوري العنيد” إصدار خاص-2014- العنوان الذي يعيد إلى الأذهان الأسماء التي حملتها العديد من النتاجات الفكرية والفلسفية والأدبية، في الفترة الذهبية للثقافة العربية “العصر العباسي”، وما كان في روح تلك الثقافة من انفتاح على كل الآراء حتى الإلحادية منها ونقاشها وقول مالم يكن يقال.
الكتاب الذي جاء في قرابة الـ 700 صفحة من القطع الكبير، ذهب ليكون شاهدا وموثقا جماعياً للكثير من القضايا والتساؤلات التي تم طرحها منذ بداية الحرب على سورية، فالحس المعارض العالي لـ صاحب “عام من الدم” لم يكن ليحرف بوصلته عن الوجهة الحقيقية لطبيعة ما جرى ويجري في سورية، هذه حرب كونية ولا علاقة لها بالحقوق والمطالب المحقة لا من بعيد ولا من قريب إلا في الشكل أو الخط الذي أريد له أن يكون من قبل “المستعربين المتصهينين”، ويخطئ كثيرا من يسميها دون قصد بـ “الأزمة”، أما الطريقة التي وثّق فيها “نبيل” المواضيع المختارة للكتاب، فجاءت من خلال طرحه للعديد من القضايا السورية الساخنة والعربية والعالمية اللحوحة للنقاش، في ما آلت إليه الحال، محليا وعربيا وعالميا، والأسباب التي ساهمت بما نحن عليه اليوم،وهذه النقاشات الموثقة في الكتاب، دارت رحاها بين مؤيد ومعارض، محب وكاره، على صفحات موقع “الجمل” الإلكتروني، الذي يرأس تحريره “صالح”، وسوف يكون للقراء الكثير من المداخلات المهمة حقيقة في الموضوعات التي طرحها الكتاب.
“إنه كتاب الشعب في الحرب والسلم، كتاب مُختلف مؤتلف بلا رتوش، واضح وغامض، يخوض في اللامفكر فيه كما لو أنه كتاب ثقافة جديدة قديمة يفيد منه الباحث ولا يملّه القارئ العادي.. وكما تحدث عنه: “هو استكمال لكتابي السابق «عام من الدم» مع نقلة جديدة لفهم يوميات حربنا المجنونة التي تُشاركنا فيها كل ذئاب الأمم المتصارعة فوق أرضنا العتيقة.. أخرجته بطلب من القراء المشاركين والمعلقين على نصوصي، والذين تعلمت منهم بعدما ملأوا الفراغات المناسبة لتوضيح المشهد السوري المشتعل” هكذا يقدم الصحفي “نبيل صالح” كتابه الذي يغور في أسرار دمشق خصوصاً وتأثيرها على بلاد الشام عموماً، إذ يعيد قراءتها  وفراءة ناسها وأديانها وأسواقها وحكامها، عبر اختزال تاريخي تجتمع فيه كل العصور التي شكلت شيفرتنا الوراثية، منذ كانت دمشق بحيرة ماء ووجه الرب يرفّ فوق وجه الغمر وصولا إلى طوفان الدم هذا.. إنه جهد أيام وشهور، كلمة بكلمة وسطراً بسطر لنخبة من قومي تجمعوا على وليمة النص لينتجوا منه أنواعاً جديدة وغنية، وآمل أن أتعرف يوماً على كل المشاركين فيه بأسمائهم الصريحة.
” المختصر المفيد في حرب الشعب السوري العنيد” يكاد يكون واحدة من الوثائق الهامة عن هذه الحرب التي لا تزال رحاها تدور في البلاد، وأهم مافي هذه الوثيقة أنها جاءت بلا إعمال مقص الرقيب فيها، وهذا ما أعطاها طابعا حياتيا من لحم ودم، لا من ورق وحبر يجف وينتهي أثره بعد القراءة ومن المرة الأولى، كحال العديد من الكتب التي صدرت في زمن الحرب ذاته، لكن محتواها جاء مطابقا للميول الشخصية والأهواء المفتعلة لأصحابها، فاندثرت حتى قبل أن تقرأ.
تمّام علي بركات