ثقافة

الكواكبي ومشروعه التنويري النهضوي في ندوة الأربعاء الثقافية

لدى عبد الرحمن الكواكبي فكر اجتماعي، كتب ومقالات كثيرة جمعها فيما بعد في كتابه “طبائع الاستبداد” وراح يوسعها مع أبحاث ليتنوع الكتاب في موضوعات محورها الأساسي هو الاستبداد، أسس جريدة “الشهباء” في حلب في ريعان شبابه ومن ثم جريدة “الاعتدال” بعد أن أغلقت السلطات الجريدة الأولى، وخصه عباس محمود العقاد بكتاب في سيره وأعلامه. ومثلما كان جان جاك روسو حجر الزاوية في الفكر الفرنسي والأوروبي المتشدد في سبيل الإصلاح والنهضة، يجب أن يكون فكر الكواكبي حجر زاوية في بناء نشيّده جميعاً لغد مشرق.

“عبد الرحمن الكواكبي وأسئلة النهضة” كان عنوان ندوة الأربعاء الثقافية لهذا الشهر التي يديرها الدكتور إسماعيل مروة وتضمنت عدة محاور، وفي تصريح لمعاون وزير الثقافة قال:

لم تقصر وزارة الثقافة في أي جهد لتنشيط العمل الثقافي، ولم تتوقف خلال فترة الأزمة عن تقديم الأنشطة الثقافية المتنوعة سواء السمعية أو البصرية والندوات والأمسيات الثقافية، وهذه رسالة لكل العالم بأن سورية بخير، وهناك فريق ثقافي متميز يعمل بجد ونشاط في كافة المراكز الثقافية. إذ نكرم في هذه الندوات واللقاءات الأعلام العربية السورية التي كافحت وناضلت ضد الاحتلال العثماني والفرنسي، ونحن نكرم اليوم العلّامة السوري عبد الرحمن الكواكبي الذي عانى من الاستعمار العثماني في تلك الحقبة، ونحن اليوم في المجتمع السوري نعاني من هذه الحقبة، وكما تصدى الكواكبي لتلك الحملة نحن نتصدى اليوم للهجمة التي تشن على سورية المتمثلة بالعثمانية الجديدة.

رمز الفكر

وتحدث مدير الندوة د.إسماعيل مروة عن أهمية استعادة هذه الشخصيات قائلاً:

يمثل عبد الرحمن الكواكبي رمزاً للفكر المتنور الذي يسعى إلى مأسسة بناء الدولة، فهو لم يكن مجرد إنسان يقول عاطفة أو رأي، وإنما كان أكثر جرأة مما نحن عليه اليوم، كان متقدماً على زمنه وعصره بطرح أسئلة في غاية الأهمية، هي أسئلة النهضة التي تقدم لنا السبل الحقيقية لنهضة عربية وقومية ووطنية وإنسانية، وهناك الكثير من القضايا المهمة التي طرحها الكواكبي قبل قرن من الزمن -ومازلنا اليوم نطرحها- لها علاقة بالحكم والاستبداد والدين والشرق والغرب، هذا الإنسان الذي دفع حياته من أجل آرائه، وأرجح الروايات تقول أنه مات مسموماً من السلطنة العثمانية التركية لأنه مناهضاً لها، وشهد أصدقاؤه الذين كانوا معه على أنه توفي فجأة، وفي هذه المرحلة نستعين بالأفكار النهضوية للكواكبي، فيقول د.مروة عن القواسم المشتركة بين المرحلتين:

إن استحضار أو إعادة القراءة ليس للكواكبي فقط وإنما لمجمل قضايانا الفكرية ينبئنا لماذا أخفق ذلك المشروع النهضوي الطموح، وما السبل لإيجاد طرائق جديدة للخروج من هذه الأزمات، فالقواسم ليست مشتركة وإنما طرح الكواكبي أعمق بكثير مما يطرحه مثقفو اليوم، نحن في حالة من التراجع والتردي الفكري والتنظيمي.

وعن عدم وجود شخصيات مثل الكواكبي في هذه الفترة قال د. مروة:

إن تكريم المبدعين أمر مهم جداً، والقضية ليست بغياب مفكر أو وجوده ولكن التربة الحقيقية للفكر تكون بحالتين:

الأولى في ظل الاحتلال والرضوخ تنشأ هذه الآراء لذلك نجد الكثير منها وجد أثناء سيطرة الدولة التركية والاستعمار الفرنسي، والثانية في حالة دولة وطنية لكن بشرط توفر الإبداع والحرية لإيجاد المناخ المناسب للأفكار النيرة.

العلم والتربية

ولم يكن د.راتب سكر بديلاً في ندوة الأربعاء الثقافية، فهو أصيل في ندوة أخرى، وإنما كان منجداً بعد اعتذار أحد المحاضرين، وقدم بحثاً أكاديمياً تناول فيه أسئلة النهضة من كتاب “طبائع الاستبداد” فتحدث: في الواقع، سجل الكواكبي رؤى ذات طوابع أدبية وثقافية واجتماعية مفيدة للراغبين في تجديد الحوار مع الأسئلة الكبرى للنهضة العربية، عمل على كتابه “طبائع الاستبداد” مدة ثلاثين عاماً، وذكر في كتابه أن أقبح أنواع الاستبداد هو استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، وهناك موضوعان جوهريان، الأول: العلم وأهميته في مواجهة كل ظروف الاستبداد، والثاني هو أن التربية هي أساس مطلق في إصلاح المجتمع لدى الكواكبي.

واقترح د. سكر إنجاز فحص ضروري في اللغة العربية يوازي فحص “التوفل” في اللغة الانكليزية في مؤسساتنا الجامعية والعامة في سورية، وإنجاز شهادة مماثلة ضرورية هي شهادة في ثقافة التنوير ومعرفة النهضة وأسسها التنويرية.

وتحدث د.سكر عن أهمية استعادة هذه الموضوعات الآن، وتحديداً لأعلام كانوا زادنا في معرفتنا التاريخية والثقافية، وأنه من الأهمية العودة إلى التراث الثقافي والفكري للكواكبي، فهو نافذة على مرحلة مهمة من التاريخ العربي والعالمي، في القرن 19 الذي عاش فيه الكواكبي معاصراً لكوكبة من المثقفين الكبار، أسس فيها جذور النهضة العربية التي أينعت بهم طوال تلك الفترة، وسلمت لأجيال المثقفين منذ مطلع القرن العشرين الجمرة التي حاولت كف كل مثقف من المثقفين القبض عليها وعلى دلالتها ومعانيها، حيث واجهت أسئلة النهضة في العقود الماضية مرحلة شديدة التعقيد مما يستدعي إعادة الحوار، فهذه الأسئلة الكبرى للنهضة العربية في القرن التاسع عشر من جهة وإعادة النظر بما أنجزه هذا القرن من عطاء مفكريه الكبار وفي مقدمتهم عبد الرحمن الكواكبي من جهة أخرى، هذا العطاء لا يشكل مصالحة مع انطلاقة النهضة وإنما يشكل ترتيباً لإعادة الاتفاق حول الغد والمستقبل. كما لا يشكل الكواكبي بكتابيه “طبائع الاستبداد و”أم القرى” المصالحة مع أسئلة النهضة فقط، وإنما انطلاقة للغد والمستقبل وإعادة التفاعل مع الواقع العربي المعاصر، إذ يتطلب هذا الواقع ويلح على تلك الأسئلة مكوناً جوهرياً على مائدة التفاهم، ومع مكونات شجنه وعذابه التراجيدي الكبير.

خطاب بالأوطان

بدوره قدم د.عبد الكريم محمد حسين بحثاً بعنوان “النهضة كما تمثلها الكواكبي” أكد فيه أن الكواكبي خاطب الناس بأوطانهم وليس بمذاهبهم، وأراد أن يُفهم الغرب –الذي يرى كل شخص في المنطقة هو من الترك- أن إسلام الترك مختلفون عن إسلام العرب.

وتحدث د.حسين عن رؤيته لفكر الكواكبي وكيف تمثله في نضاله ضد المحتل، حيث رأى الكواكبي أمته في عسرة على وجهها، مكبة تحت رحمة الأتراك فأراد أن يوقظ هذه الأمة، وبدأ مشروع النهضة بتصحيح مفاهيم الدين في عقول الناس وإيقاظ الشعور الوطني في كتابه “أم القرى” إذ خاطب الناس وفق أوطانهم، حيث نسب كل شخص إلى وطنه ولم ينسبه إلى مذهبه أو دينه، ووجد أن الطريق إلى النهضة يبدأ من حيث بدأ الغرب والأوروبيون بخروجهم من الشرانق الضيقة إلى الحياة العملية، وأراد أن يستفيد من ثقافة الآخرين وتوظيفها توظيفاً يليق بالمنطقة، فالغرب يملك قانوناً مدنياً لا يسأل المرء عن دينه أو عن قوميته وإنما يسأل عن ما يحسن أن ينفع الناس، وكان من بين الأشياء التي تلقفها هي الاشتراكية، فهو يرى فيها خدمة للحي والقطر والمنطقة، وهي المؤسسة التي يجب أن نعزز وجودها، بالإضافة إلى أن الإسلام فيه دعوة إلى التعاون والإخاء والبذل المشترك ويجب توظيف هذا من أجل فكرة الاشتراكية، كما قدم فكرة جديدة للجهات وهو العمل من أجل الصالح العام.

اعتذار

وكان د. إسماعيل مروة قد اختار الشخصية الثانية من آل الكواكبي ليتحدث عن هذه الأسرة، ومنذ شهر ونصف وكل يوم يتناول د.مروة ملعقتين من عسل كلامه، ولكن قبل نصف ساعة من بدء الندوة اعتذر فاضل الكواكبي لأسباب صحية، وأغلق هاتفه، وبدوره أرسل له مدير الندوة قائلاً: “الحج يمشي بلا أبو حلاوة”، ليكون الشخصية الثانية التي تعتذر عن الندوة.

أما فيلم “تراب الغرباء” الذي كان مقرراً ضمن برنامج الندوة فقد رفض المخرج سمير ذكرى عرضه لمدة ربع ساعة فقط، واشترط أن يكون العرض كاملاً لمدة ساعتين ونصف.

جُمان بركات