ثقافة

 ملتقى الفن التشكيلي  “الطفولة.. ألوان الفرح”

باعتبار أن التشكيل جزء لا يتجزأ من الحالة الثقافية، تأتي أهمية الملتقى التشكيلي الذي تقيمه مديرية ثقافة دمشق عادةً في كل شهر في مركز ثقافي “أبو رمانة”، ولفت مدير ثقافة دمشق أ.حمود الموسى إلى دور الملتقى في التركيز على التجارب الفنية التشكيلية في سورية بتنوعاتها واختلافاتها، ويسعده كثيراً أنه لاقى النجاح من خلال ما قدّمه حتى الآن، مؤكداً في الوقت ذاته على أهمية ملتقى “عن الطفولة.. ألوان الفرح” الذي ضمَّ معرضاً لرسومات أطفال ورشة الفنانة غادة حداد الذين قدموا –برأيه- أداءً عالياً على صعيد الألوان المستخدمة، والموضوعات المختارة، وندوة عن رسومات الأطفال.

في حين أوضح الفنان أكسم طلاع، المشرف على ملتقى التشكيل، أن الندوة هي فرصة للنقاش والحوار بهدف إيصال ما يجب إيصاله للمعنيين وأصحاب القرار، خاصة وأن منتجين لرسوم الأطفال هم الذين يشاركون في الندوة، وهم أصحاب أدوات تؤثر في عقلية الطفل أمثال الفنانة ضحى الخطيب، والفنان رامز حاج حسين، انطلاقاً من الإيمان بأن أطفالنا يستحقون الكثير، وهم شريحة كبيرة، والاهتمام بهم يعني تأهيل جيل يمكن الاعتماد عليه في بناء المستقبل.

مدينة ملونة

ولأن الرسم حاجة وضرورة بالنسبة للطفل، وهو اللغة التي يتواصل من خلالها مع المحيط ومع نفسه وعالمه الداخلي، أشارت الفنانة ضحى الخطيب إلى أهمية هذه الرسوم، ودورها في التعرّف على نفسية الطفل، وعلى بيئته وثقافته وثقافة ذويه، مؤكدة أن الطفل وعبر لوحته يشعر بأنه قادر على فعل أي شيء، مبينة أنها ترسم في كتب الأطفال منذ ثماني سنوات، وأنها تعلّمت الرسم في مركز أدهم اسماعيل، وتتمنى أن تتاح الفرصة لكل طفل بالتعلم فيه لما يقدمه من فائدة، ولما يزرعه في نفوس أطفالنا، ولقدرته الكبيرة على الاعتناء بما يزرعه في سبيل أن يقدّم الطفل أفضل ما عنده، خاصة وأنه يعتمد طريقة غير تقليدية بحيث يرسم الطفل لوحته الخاصة به، في حين رأت الخطيب أنه وفي أغلب المعاهد الخاصة تكون لوحة الطفل، إما تكراراً لعمل فنان آخر، أو لوحة يكون الفنان المشرف قد تدخَّل فيها، منوهة الخطيب إلى أهمية تشجيع الطفل، وتعزيز ثقته بنفسه مهما كان ما يرسمه متواضعاً.

أعمق الأفكار بأبسط الكلمات

ولأن لوحتها للكبار هي نفسها للصغار، ومشروعها تقديم لوحة يحبها الكبار، ويستمتع بها الصغار، أكدت ضحى الخطيب انحيازها للوحة التي تقدّم الابتسامة، وتثير المرح في نفس متلقيها، مبينة أنها ومنذ ثماني سنوات توجهت لفنون الأطفال، والبداية كانت من خلال مشاركتها في معرض موجه للطفل، ومن يومها وهي ترسم في كتب الأطفال ومجلة “أسامة”، وتحلم وفق شعار خاص بها بمدينة ملونة، وبلوحة للطفل بعيدة عن الكائنات الغريبة البشعة التي يتم الترويج لها والتي خلطت بين الخيال والأكشن، وتأسف لأن الكثير من الفنانين عززوا هذا الخلط، والفرق بينهما كبير، في حين تريد هي أن يرى الطفل لوحة جميلة ملونة، مشيرة إلى ضرورة أن يرتقي رسامو الأطفال إلى مستوى الأطفال في خيالهم المحلّق، خاصة أن الأطفال لديهم قدرة عجيبة على التعبير عن أعمق الأفكار بأبسط الكلمات، وختمت الخطيب كلامها قائلة: “من بنى الأهرامات وبرج ايفل كان فناناً، واعتناؤنا بأطفالنا هو الذي سيخلق جيلاً قادراً على إعمار الوطن”.

الفن في رسومات الطفل

ورأى الفنان رامز حاج حسين أن فن رسوم الأطفال ينطلق من أساسيات رسم اللوحة من حيث التمكّن من الأدوات، وضبط إيقاعها اللوني والتعبيري، وأن تكون فيها نقاط عديدة لإكمال الوجبة الأدبية الفنية المقدمة للطفل، بحيث يجب أن يكون فنان رسوم الأطفال قادراً على إكمال الصورة في ذهنية الطفل، ولا تكون رسومه مجرد توثيق فوتوغرافي تفصيلي للنص، بل يجب أن يضيف للمفردات اللغوية مفردات بصرية ليزداد ألق القصة والخيال فيها، وأن تكون اللوحة بعناصرها سهلة الفهم، واضحة الخطوط، والألوان بنسبة معقولة، ولا تنتهج نماذج التجريد والخيال المفرط في اللاواقعية مع النص، وأقر حاج حسين وجود العديد من العقبات التي تمر بها الحركة الفنية الموجهة للطفل، وتكمن برأيه في غياب المنهج التدريسي في الجامعة، والمعاهد المختصة، ووجود حركة القرصنة، واستجلاب الرسوم الأجنبية لمجانيتها، وعدم وجود رقابة فنية عليها، فتكون بالنسبة للناشر أو المطبعة أقل كلفة من التعاقد مع رسام محلي لتنفيذ الرسوم، إلى جانب عدم تقدير جهد الفنان المعنوي في ذكر اسمه على الغلاف، أو في مكان يُبرِز أهمية عمله، وتقدير تعبه مادياً من خلال أجره المعطى، وأصبح عُرفاً أن فنان رسوم الأطفال السوري يتقاضى أجراً قليلاً بشكل عام، ولكل ما سبق أكد حاج حسين على ضرورة وجود منهج اختصاصي في رسم الكتاب المصور، والرسوم المتحركة في كليات الفنون، والمعاهد الفنية المختصة، بحيث تتخرج كوادر جديدة تفهم اللوحة الطفلية، وفن الطفل، وترفد هذا الفن بالمواهب الجديدة، وإقامة ورش عمل دائمة وفاعلة للاستفادة من خبرات الفنانين المختصين في هذا المجال، والترويج للقصة المصورة، وإقامة المسابقات الخاصة بها، وتكريم الفنان العامل في هذا المجال من خلال إعطائه فرص عمل في الوزارات المعنية، وحفظ حقه المعنوي، ورفع المكافآت المالية المخصصة لهذا الفن لتشجيع المواهب على السير في هذا الدرب.

وأسف حاج حسين لأن الكثير من الفنانين الذين يتوجهون للطفل يستسهلون مخاطبته، فيعتمدون على مصادر أجنبية في لوحاتهم التي يخاطبون بها الطفل، ويعملون على تقليد هذه المصادر بحيث غابت عن لوحاتهم هويتنا، في الوقت الذي يقع بين أيدينا تراث هائل أسسه الرعيل الأول في مجال التوجه للطفل، ولذلك يعيش بعض رسّامي الأطفال ضياعاً، فيقدمون رسومات بصفات وشخوص غريبة عنا، وعن بيئتنا، في حين أننا نملك مفردات يتهافت الغرب عليها!.

أمينة عباس