ثقافة

نعم للحياة.. سنضحك رغماً عن الحرب

لم أكن في ذاك الصباح على موعد إلّا مع الحزن.. كيف لا، وأنا ألج عوالم أناس جمعتهم قصص المرض وآلامه.. وكم هي متاحة ومتوفرة صدف الوجع والقهر في أيامنا تلك!.

أنظر إلى وجوه الجميع وكأنهم وجه واحد، لا حراك فيه سوى عينين تصولان، وتجولان بلا معنى كوجه أبي تماماً.. وجوه كسرها وكبّرها الزمن والمرض.. فأرواحنا كسوريين بسنواتنا السبع العجاف لم تعد تحتمل ولا مسمار.. فيأتي ألم المرض ليتوج عرس الخيبة والخذلان بهذه البلاد.

من شق صغير جداً في قلب ذاك المكان وبلمح البصر، أطل الفرسان الثلاثة ليغيروا نكهة الصباح ولونه وطعمه، تبادلنا السلام ونظرات الدهشة، وبلمحة حب تجمع الطيبين عادة تعارفنا، وبدأ مشوارنا معاً، فلغة الفن والمحبة هي التي جمعتنا، تحولنا لأجهزة إنعاش متنقلة، علنا نمسح سواد التعب عن هؤلاء المرضى ولو قليلاً.

زياد، سها، صبا، فاديا، ناديا وزينة، حملوا فرحهم على أكتافهم، وراحوا يوزعون غلالهم بالمجان على هؤلاء المرضى.. رقصوا، وغنوا، ومثلوا معهم، أخبروني بأن حملتهم تلك بدأت مع أطفال مرضى السرطان في دمشق وحلب واللاذقية وريفها.. وبسبب نتائجها الجيدة على نفسية المرضى قمنا بتوسيع الحلقة لتشمل المرضى من الكبار أيضاً.. وتابع زياد الحديث بأن السعادة التي تغمر قلوب المرضى، تدوم لوقت ليس بقصير، هذا ما أكده لنا الأطباء.

حملتنا هذه عنوانها (نعم للحياة).. نعم للمشاركة بالمحبة والبسمة والضحكة من القلب للقلب، مع كل من لديه معاناة جسدية أو نفسية كمرضى السرطان والأطفال اليتامى والمعاقين والمسنين والسجينات، ومن ضمنها حملات تدوير الورق من أجل إنقاذ أشجارنا وغاباتنا، وتخفيف التلوث، والحد من بصمتنا الكربونية، كذلك ورشات تدريبية للأطفال والمعوقين والفئات الضعيفة في مجتمعنا لتعريفهم على بعض الحرف اليدوية ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم، وتأمين مصدر عيشهم.

ما لفتني أن جمعية “سوق الضيعة” لم تكن من مفرزات سنوات الحرب، فقد تأسست قبل الحرب على سورية بخمس سنوات، وهذا كان من دواعي ارتياحي لها، حيث أصبحت التجمعات، والجمعيات، وما تفرع عنها، عمل من ليس له عمل، فتقتات وتعتاش وتستغل هموم وحاجات ومصائب الناس، فحتى الحالات الإنسانية لم تنج من تجار الأزمة الذين جعلوا من آلامنا سوقاً لكسب وتصريف خساستهم وجشعهم للمادة دون أي شعور بالذنب..!.

بعد مرور ساعة وبعض الوقت انتهى كرنفال الفرح الذي رسمه فرسان “سوق الضيعة” على وجوه مرضى السرطان في مشفى تشرين في اللاذقية ومنهم أبي.

ودعنا بعضنا على أنغام وكلمات أغنية الأطفال التي كبرنا عليها من فيلم الكرتون “سنان” (ما أحلى أن نعيش بخير وأمان)، تمنينا أن نلتقي في مساحات فرح بعيداً عن المرض، والألم، والحرب.

شكراً لكل من يحمل على عاتقه هماً إنسانياً يجوب به أزقة الأرواح، فتنبت زهرة أمل بلا أي مقابل سوى المحبة.. المحبة أولاً وأخيراً.

لينا أحمد نبيعة