ثقافة

شوق

أمينة عباس

“المرأة نصف المجتمع”.. مقولة طالما تردد صداها بشكل غير مباشر في الدراما التلفزيونية السورية منذ تأسيسها في مطالع الستينيات، فالمرأة كانت دائماً حجر الأساس في هذه الدراما من حيث المضمون والمعالجة والمَحاوِر الأساسية، وربما كان مسلسل “فوزية” الذي تمّ بثّه في السبعينيات خير مثال على ما نذهب إليه، من خلال تقديمه لعدد من الشخصيات النسائية التي تتباين في مواقفها وقدرتها على التغلّب على المصاعب التي تتعرض لها، وتحدّي المجتمعات المنغلقة والمستكينة لكل موروث بائد وغير منسجم مع تطور الزمن وتقلباته.
وقبل “فوزية” كانت المرأة محوراً في مسلسل “حارة القصر” ومحرِّكاً لأحداث المسلسل ذي الطابع التشويقيّ من خلال رصد يوميات حيّ دمشقيّ.
ولا ينسى الجمهور السوري النموذج الراقي للمرأة السورية القديمة من خلال مسلسل “انتقام الزباء” الذي قدم شخصية ملكة تدمر بكامل عنفوانها وكبريائها وقدرتها على تحدي المخاطر التي كانت تحيق بدولتها من كل جانب.. لتتتالى النماذج بعدئذ من خلال عدد من الأعمال التلفزيونية التي ما زالت في الذاكرة كمسلسل “نساء بلا أجنحة” الذي يصور حالة القهر التي تتعرض لها مجموعة من النماذج النسائية المنتمية لشرائح اجتماعية متباينة بل ومتناقضة، ومسلسل “جسر البيت” الذي يجسد حالة التضحية التي تقدمها المرأة في سبيل أسرتها ومسلسل “الأجنحة” الذي يصوِّر حالة التمرد التي يمكن أن تتبناها المرأة الريفية إذا ما رأت نفسها مجبَرة على تغيير واقعها نحو الأفضل، ومسلسل “امرأة لا تعرف اليأس” الذي يصور المرأة قويةً وقادرة على أن تمارس دورها الطبيعي في مجتمعات ذكورية، يهيمن عليها الرجل لأنه رجل فقط لا لأية ميزة أخرى، وتمثيلية “هدية للثوار” التي تصور دور المرأة السورية في فترة الاستعمار الفرنسي وكيف كان دورها محورياً في التصدي للآلة الحربية الاستعمارية.. وغير ذلك من النماذج التي قدمت المرأة السورية كامرأة ناضجة وقادرة على أن تلعب الدور المنتظر منها في مجتمعات لا تزال تنظر إلى المرأة نظرة دونية.
وها هو الموسم الرمضاني الحالي يحمل إلينا أكثر من عمل تقوم المرأة فيه بأدوار أساسية وحاسمة، أبرزها مسلسل “شوق” الذي يقدم أكثر من نموذج نسائيّ فاعل ومؤثر في محيطه من خلال رصد حالات غاية في المأساوية وعميقة في وجدان مجتمعها، تؤطِّرها موضوعة الحرب على سورية وتأثيراتها على المجتمع عامة والنساء خاصة، حيث حاول كاتبه حازم سليمان ومخرجته رشا شربتجي أن يوثِّقا الحالة السورية من وجهة نظر ذات طابع أنثويّ بالغ التعقيد والشفافية.