ثقافة

في ملتقى المقاومة.. الكاميرا أداة لمواجهة الإرهاب

انطلاقاً من شعار “الثقافة وطن ومقاومة” الذي رفعه ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء” الثالث كان من الضروري وضمن المحور الثقافي الإعلامي الذي نوقش صباح أمس في دار الأسد للثقافة والفنون أن يتناول د.علي أكبر رائفي بور (إيران) في ورقته مصطلح “الحرب الناعمة” وهو جديد في الاستعمال العالمي على الرغم من مشابهته في المضمون لمصطلحات أخرى كانت تُستخدم للتعبير عنها بأشكال مختفلة كحرب المعنويات وغسل العقول والغزو الثقافي والحرب السياسية.

القوة الناعمة
بيَّن د. بور أن الحرب الناعمة هي التي تستخدم القوة الناعمة التي عرَّفها جوزيف ناي بقوله “القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام” مؤكداً بور أن العدو اختار القوة الناعمة المقابلة للقوة العسكرية لعجزه عن الوصول إلى أهدافه عن طريق القوة الصلبة، أو لتخفيف التكلفة الباهظة المترتبة عليها، وقد لجأ إلى القوة الناعمة ليخرّب من داخلنا وليسقطنا من داخلنا بأيدينا وأدواتنا، مشيراً إلى أن الحرب الناعمة بأساليبها تعتمد على الاستمالة والإغواء والجذب، فإذا ما أصبحت أفكارنا أفكارهم وقناعاتُنا قناعتهم، عندها يصبحون الأساتذة ونحن التلامذة، ويصبحون القادة ونحن الرعيّة، فإذا ما احتجنا إلى توضيح فهم الموضحون، ولذا فالتبعية الفكرية من أخطر ما يصيبنا في هذه الحرب.. من هنا وجب علينا برأي بور أن نعرف أننا في حالة حرب دائمة، وهذه ما يتطلب العمل الدؤوب لمواجهتها لحظة بلحظة لا أن نتوقّف ونواجه في مرحلة أخرى من خلال جمع قوانا في مختلف المجالات والاستفادة من كل الطاقات، إذ لا يمكن أن تكون المواجهة مقتصرة على فريق دون آخر، ولا على جماعة دون أخرى، فكلنا بحاجة إلى بعضنا بعضاً في مواجهة الحرب الناعمة.

السينما تفضح الإرهاب
ولأن السينما تؤدي دوراً هاماً في توعية الجمهور وفتح الأعين على الواقع المعاش وكشف الصورة كاملة للعقول حمل المحور الثاني عنوان “الشباب في سينما المقاومة” بمشاركة د.ندى بدران (لبنان) المخرج بلال خريس (لبنان) والمخرج المهند كلثوم.
يُعتبر الإرهاب من المواضيع ذات الأهمية الكبيرة التي تمس ثقافة المجتمع بشكل عام، وقد اتفق جميع المشاركين في هذا المحور على مواجهة الإرهاب الإرهاب عموماً تحتاج إلى أعمال سينمائية عالية المستوى، كونها تسير في خطين، الأول هو كشف وفضح الحركات التي تتستر وراء ثوب الدين وتجيّره لأهداف خاصة، والثاني العمل على توعية المجتمعات وأجيال الشباب والأطفال وتنبيههم إلى خطورة هذه الأمور، وقد أن الأوان لتوظيف السينما كي تقف في مواجهة التيار الظلامي لأن القوة وحدها لا تكفي للقضاء على هذا التيار وإنما نحتاج إلى فكر يحمي أجيالنا المستقبلية ومجتمعاتنا من أفكار هذه التيارات، مشيراً إلى أن الأعمال التي تواجه ظاهرة الإرهاب تحتاج إلى عمق وجدية أكبر في المعالجة، وأن يكون فيها أكثر من مستوى خطابي موجه إلى شرائح المجتمع كافة.. من هنا اتّخذ المخرجون من كاميراتهم سلاحاً لمواجهة مشروع التطرف الذي يجتاح سورية والمنطقة بأبشع صوره، لذا لم تعد الأعمال السينمائية مجرد أفلام ومسلسلات تُعرض ليراها الآخرون فقط، إنما هي قضية نتبناها لتروي حكاية وطن يتألم وتكشف ظاهرة الإرهاب البشعة.

وسيلة فعّالة للمقاومة
وبيّنت د.ندى بدران الإعلامية والأستاذة في الجامعة اللبنانية أن الحرب على سورية ترافقت مع حرب إعلامية شرسة شنتها الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي نجحت في بعض الأحيان في خداع حتى بعض المثقفين، وبالتالي فإن الأطراف التي شنّت هذه الحرب على سورية أدركت أهمية الإعلام كأداة من أدواتها لخوض الحرب، مشيرة كذلك إلى الغزو الثقافي الذي يشنه عدونا علينا منذ سنوات، وما المسلسلات التركية التي غزتنا بين ليلة وضحاها إلا أحد أساليب هذا الغزو والتي ساهمت في تغييب العديد من المفاهيم والقيم لدى شبابنا، مشيرة بدران إلى أهمية السينما التي أدركها كثيرون ولا سيما أعداؤنا منذ زمن بعيد، وما الأفلام الأمريكية التي تصوّر الأميركي كمخلّص للعالم إلا خير مثال على ذلك، وهي أفلام غزت عقول الجميع واستطاعت عبر الزمن أن تظهر الأميركي وكأنه قديس ينقذ العالم، في حين أنه هو من غزى العراق وقتل واغتصب في الوقت الذي ما زلنا نحن مهملين لهذا الفن وغير مدركين لأهميته مع أنه من أهم الأدوات التي يمكن أن تُستخدم في نشر ثقافتنا وترميم الضربات الكبيرة التي ضُربنا بها من أطراف عديدة.. من هنا حيّت بدران العاملين في السينما، وخاصة الذين أدركوا أهميتها وحاربوا من خلالها أعداءنا، وهي وسيلة فعّالة للمقاومة، مؤكدة أنه على الجميع أن يدركوا أهمية وقيمة السينما في دفاعنا عن أنفسنا، مطالبةً بدعمها والترويج للأفلام السينمائية الهادفة والمقاومة والتي ستشكل أرشيفاً مهماً للأجيال القادمة لمعرفة ما كان يحدث اليوم.
كما أكد المخرج بلال خريس على أهمية الصورة في معركتنا مع العدو: “قالوا الصورة تعادل ألف كلمة، وأنا أقول الصورة تعادل ألف رصاصة”.. ويؤسفه قلة إنتاجات السينما وعدم الترويج لها بالشكل الصحيح، والمطلوب برأيه صنع أفلام نخاطب من خلالها الجمهور الآخر الذي لديه صورة مشوهة عنا قدمتها سينماهم، مشيراً إلى أنه يعتمد أسلوب التوثيق في معظم أفلامه، منوهاً إلى فيلمه الجارف الذي يُعرض صباح اليوم ضمن فعاليات الملتقى، وهو على الرغم من الحس التوثيقي الطاغي عليه إلا أنه  تمكّن من تقديم فيلم درامي بإنتاج عالٍ وبحبكة رصينة ورؤية إخراجية متمكنة، وقد تناول فيه عملية الجارف التي انطلقت لتحرير مدينة بيجي شمال العراق من براثن سفاحي داعش الإرهابية، ويأتي هذا الفيلم السينمائي ضمن مكافحة إرهاب وتطرف داعش في المنطقة، ويسلط الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في الحروب من خلال قصة عائلة عراقية تعيش سراً بين أنقاض وبقايا منازل المدينة الخاضعة لسيطرة داعش، مصوراً تضحيات عراقيين في سبيل تحرير مدينتهم.
واعتبر خريس أن مهنة الإخراج مهنة ذات قضية وطنية نظراً للحروب التي يشنها عدونا على عقول شبابنا، ولذلك رأى أنه لا بد من حرب رادعة ومقاومة لهذا الغزو البصري، ولذلك يتحول المخرج إلى مقاوم يوظف الصورة التي تعادل ألف رصاصة.
وخريس مخرج لبناني، لديه 3 أفلام روائية و14 فيلماً طويلاً ديكودراما، وقد فاز عدد من أفلامه بالجوائز الذهبية، ويركّز في أعماله على الإنسان، وخاصة النساء والأطفال.

السينما صوت مقاوم
وأوضح المخرج المهند كلثوم أن السينما في سورية كانت صوتاً مقاوماً ضد الإرهاب واستطاعت أن تحتل مكانة لها في المهرجانات في المحافل الدولية، وقد نجح كبعض السينمائيين في صنع أفلام نجحت في إيصال صوتنا للخارج، ففيلم “ياسمين” جال في أوربا وحصد جوائز، وبهذا كانت السينما النافذة الوحيدة التي أوصلت سورية للمهرجانات.. وختم كلثوم كلامه بالتأكيد على ضرورة وجود مشروع وطني توثيقي مهمته توثيق الحرب عبر الصورة وأرشفة كل ما يحدث على الأرض السورية خلال الحرب ليكون المنهل الذي يقصده السينمائيون السوريون لصنع أفلامهم، ودعا كلثوم إلى دعم السينما الحقيقية، منوهاً إلى أن الحرب على سورية في سنتها السابعة كشفت لنا أننا نفتقر للسينما التوثيقية على الرغم من صحوة بعض الشباب في هذا المجال من خلال محاولاتهم المتواضعة التي أثمرت مجموعة من أفلام سينما الشباب، وبغضِّ النظر عن مستوى هذه الأفلام إلا أنها قدمت نتائج لا بأس بها، منوهاً إلى أن فيلم “ياسمين” من نوع الديكودراما ويحاكي حياة الطفل السوري بعد نشوب الحرب على بلاده، وكيف تركت هذه الحرب آثارها على أحلامه وأفكاره وعملت على سلبه أجمل ضحكات طفولته، فيحاكي نظرة هذا الطفل لمجريات الحرب الشرسة على أرضه وبيته ومدرسته.
وقد كان المحوران الأول والثاني بإدارة ليلى صعب مديرة ثقافة ريف دمشق، كما تم مساء أمس عرض الأفلام التالية: “ياسمين” للمهند كلثوم، “فقط إنسان” لريم عبد العزيز ومناقشتهما وأدار النقاش الناقد عمر جمعة، في حين تم عرض فيلم “أصبح عندي الآن بندقية” لبلال خريس ضمن الفترة المسائية.

أمينة عباس