وليد الآغا في معرضه الجديد غنى الهوية ونبل التكوين
يعتبر الفنان وليد الآغا من رعيل فناني الثمانينيات الذين تلمسوا بهجة انتعاش الفن التشكيلي في الجانب التسويقي منه، والتي امتدت حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وقد أدى هذا الانتعاش إلى ظهور تجارب مختلفة عما هو رائج في الواقع التشكيلي، في محاولة كسر احتكار الأسماء الكبيرة والعتيقة للأضواء من خلال طرح رؤية جديدة ومغايرة للسائد والتقليدي في معالجة العمل الفني، وتطوير أدوات التعبير وصولاً إلى فكرة كاملة المعنى والحدود، من هؤلاء الفنانين من أغراه الواقع التسويقي، فوقع في مطب ذوق المقتني ومتطلبات بعض صالات العرض المروجة للوحات لا تتجاوز المتطلبات السياحية التراثية والتزيينية، ومواز لذلك ظهرت نزعات أملتها ثقافة المراكز الثقافية الغربية بمتطلبات مغايرة للمألوف ومتماشية مع تجارب فناني الغرب التعبيرية والتجريدية وسواها من مدارس التصوير الحديثة، وقد وصل الأمر إلى ترويج لغة التشويه التشكيلي باعتبارها مواكبة للغة العصر التي تحترم الانفعال ولغة التعبير الحرة المنفلتة من عقال مدارس التصوير التقليدية.
من جانب آخر تقدمت التجارب الحروفية العربية باعتبارها اتجاهاً حداثوياً ينتمي للتراث ويحمل طابع الهوية وفي الوقت ذاته مفتوح على لغة بصرية جديدة في احتمالات اللوحة المنجزة، سواء كانت مغاربية أو خليجية أو عراقية، كل هذه المنتجات التشكيلية تعتمد الحرف العربي أساساً لها، وفي سورية اشتغل عدد من الفنانين على هذا الاتجاه مثل سعيد الطه ومحمد غنوم ومنير الشعراني والرائد محمود حماد، ووليد الآغا المميز بخبرته التقنية التي منحت التجربة طابع الفرادة الغرافيكية، التي بشرت لاحقا بعدد من التجارب الشابة التي دأبت على توظيف فنون الطباعة في خدمة العمل الفني التشكيلي.
ولا ينفصل معرض الفنان الآغا الذي افتتح هذا الأسبوع في صالة لؤي كيالي للفنون الجميلة عن مسيرة معارضه السابقة، التي لا تختلف في موضوعها الأساسي وهو توظيف الحرف العربي والكتابات القديمة والرموز في توليف تقني ناجز للوحة معاصرة، تحمل كل عناصر العمل الفني المتميز بأسلوب خاص يميز الآغا عن سواه ممن اشتغلوا في هذا الميدان، تميزه رشاقة الخطوط وشفافية اللون وحساسية السطح ومهارة تدوير الأثر الغرافيكي في أكثر من لوحة، والاستفادة من نسخ كتابية تتوزع على أكثر من عمل، في إشارة إلى امتلاك هذا الفنان لأسرار تقنية خاصة بلعبته، وحسبي أن في هذا شرط من شروط التميز لابد من توفره في كل مرسم وعند كل فنان.
ترتدي أعمال الآغا حساً صوفياً محبباً، شفيف الضوء.. متقشف اللون.. حساس في خطوطه الرشيقة ونبيل في تكوينه.. عميق في معناه، بعيد عن المباشرة والتبسيط الساذج الذي نراه عند كثير ممن يدعون بالحروفيين، لوحته لا تستجدي المتعة أو الاستعراض، مثلها مثل شخصه محبب، مثقف، يرافقه الوداد، إنه صائغ الجمال بحق.
أكسم طلاع