ثقافةصحيفة البعث

ناجي عبيد.. الفنان الأغنى في العالم

كان من الصعب على المشاركين في الندوة اختصار مسيرته الفنية الطويلة وهو الذي يعمل وينجز لوحاته منذ ما يقارب الثمانين عاماً، وقد وصف نفسه بالفنان الأغنى في العالم، لا بالحصاد الماليّ ولكن بلوحاته، فحصيلة عمره الفنيّ 5037 لوحة، كما يقتني ما يقارب 500 لوحة يصفها بالثمينة.. من هنا ولأنه الفنان الذي ناهز المئة عام من العمر وما زال يعمل وفي رصيده كمٌّ هائل من اللوحات، ومن الفنانين العرب القلائل الذين تمتلك المكتبة الوطنية بباريس لوحاتِه عُقِدَت مؤخراً ندوة عن الفنان ناجي عبيد في مركز ثقافي أبو رمانة بدعوة من مديرية ثقافة دمشق بمشاركة الأساتذة: موفق مخول، جورج عشي، محمد غنوم، بحضور م.علي مبيض معاون وزير الثقافة، تكريماً لمن يُعدّ من أوائل المؤسسين لاتحاد الفنانين التشكيليين وقد حرص خلال مسيرته الفنية الطويلة على تجسيد التراث السوري.

لوحته الشرقية

وأثنى الفنان موفق مخول الذي أدار الندوة على أهمية مثل هذه الندوات التي تحتفي بمبدعينا الكبار أمثال ناجي عبيد الذي يشكل حالة فنية مهمة في حياتنا التشكيلية، وأشار إلى أن الفنان عبيد حالة إنسانية أكثر منها فنية وأثَّر في العديد من الفنانين من خلال لوحته الشرقية التي تنتمي للتراث السوري بمفرداته وروحه، وهو الذي لم تغرِه المفردات الغربية فأخلص لأصالته وتراثه وتاريخه بعيداً عن تعقيدات الفن التشكيلي، لتأتي لوحاته بسيطة وجميلة، ونوه إلى أن فريقه “إيقاع الحياة” الذي أنجز اللوحات الجدارية على جدران بعض مدارس دمشق، سيقوم لاحقاً برسم لوحات جدارية من روح فنانين سوريين تكريماً لهم، وسيكون في مقدمتهم ناجي عبيد الذي ما زال يرسم بكل وعي وإدراك على الرغم من بلوغه 100 عام من عمره، وكانت آخر لوحاته من أجمل اللوحات، وبيّن أن عبيد قطعة من التراب السوري، وأنه ظُلِم في فترة من الفترات من قبل النقاد لانحيازهم للفنِّ الغربيّ، فابتعدوا عنه في الوقت الذي عرفه وأنصفه الغرب أكثر منا، إلا أنه اليوم ينال حقه من التكريم، والزمن سيكون كفيلاً بإنصافه بما يستحق.

عالم ساحر

وتحدث الفنان محمد منذر زريق عن ناجي الفنان والإنسان معاً، حيث تعرف عليه وهو صغيراً عندما كان يرافق والده في زياراته لصديقه ناجي عبيد، ولم يدخل يوماً إلى مرسمه دون أن ينال الحلوى من قِبل عبيد، ولطالما كان يراقبه وهو يشكل ألوان لوحته لأنه قلما كان يشتري ألواناً جاهزة،  وأوضح زريق أن عالم عبيد الساحر كان يدهشه، لكن المفارقة أن ذالك الصغير قد كبر فيما بعد وأصبح صديقاً لعبيد، وبيّن أن أهم ما يميز عبيد أنه نجا خلال مسيرته الفنية من التقليد، فظلَّ بعيداً عن المدارس الفنية الغربية ورسم لوحاته بفطرته وعفويته، وهذا ما جعل الغرب يُعجَب بلوحاته لتكون لوحته في المكتبة الوطنية بباريس إلى جانب مجموعة من الفنانين العرب القلائل، حيث القاسم المشترك بينهم كان أن لا علاقة لهم بكل المدارس الفنية الغربية التي يلهث إليها عادةً الكثير من الفنانين، وذلك انطلاقاً من قناعته أنه مهما بلغنا فيها لن نصل إلى ما وصل إليه أصحابها، ولإيمانه أن الانطلاق من بيئتنا وجذورنا هو الذي يوصلنا للغرب والعالمية.. وأشار زريق إلى أنه كان سعيداً حين ألهمت قصيدة له بعنوان “حنين القصب” ناجي عبيد لرسم لوحة وهو يحتفظ بها ويعتبرها من أهم ما يملك، وأشار إلى أنه والفنان عبد الله الشعال بصدد إنجاز مشروع يقوم على رسم بورتريهات لشخصيات سورية مبدعة، وسيكون عبيد من ضمن هذه الشخصيات التي أثَّرت في مجتمعنا.

عمره أكثر من 500 عام

وأوضح الفنان محمد غنوم أن ناجي عبيد بدأ حياته خطاطاً وقد تابعه منذ صغره من خلال مجلة “الجندي العربي” الصادرة عن الإدارة السياسية، وقد كانت خطوطه متميزة ومختلفة عن بقية الخطاطين، ونوه إلى أن عبيد كان من مؤسسي جمعية أصدقاء الفن التي كانت أول تجمّع فني تشكيلي وما زالت قائمة حتى الآن، وعبيد اليوم لا يتخلف عن أية مشاركة في كل المعارض التي تقيمها ويصر دوماً على أن يكون فعالاً في كل الأنشطة التي تقيمها الجمعية، وأكد غنوم أنه إذا قيس عمر عبيد بما أنجزه من لوحات فعمره أكثر من 500 عام وهو الذي عُرِف بغزارة إنتاجه، وكان من الأوائل الذين كان لهم محترَف فني في سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية، وقد تحوّل إلى مزار للسياح الذين كانوا يقتنون ما كان يحتويه من لوحات يُقدَّر عددها اليوم بالآلاف، وقد امتلكت خصوصية وهوية واضحة بألوانها المتميزة.

ما زال ينتج

أما الفنان جورج عشي فقد اكتفى بالإشارة إلى العلاقة الطيبة التي تربطه بناجي عبيد وأنه من الزائرين الدائمين لمحترفه، وأنه ليس جديراً بتقييم تجربة عبيد الطويلة والغنية لأنه لا يمارس النقد، وأن هذا الأمر متروك لأصحاب الاختصاص، في حين أكد ابن ناجي عبيد الشاب محمد أن والده إنسان عادي، ولكنه يشاهد ما لا يشاهده الآخرون، وقد استطاع أن يخلق أجواءه الخاصة واستمد مفرداته من تراثنا السوري وزخارفنا العربية، فرسم لوحته الخاصة بأدواته وابتعد عن تقليد المدارس الفنية الغربية وأنتج آلاف اللوحات وما زال ينتج.

أمينة عباس