ثقافةصحيفة البعث

رسائل من خلال الموسيقا.. معرض الكاريكاتير الدولي في الأوبرا

“قد تكون الحياة من دون موسيقا غلطة لنتغذى ونكتشف أسرارها، بل لنكتشف أسرارنا بها” بهذا القول لنيتشه بدأ الفنان رائد خليل مدير معرض الكاريكاتير الدولي الرابع عشر المقام في دار الأوبرا تحت شعار “الموسيقا حياة”، انطلاقاً من أهمية الموسيقا في الحياة لتكون آلات البيانو والقانون والوتريات والنحاسيات ركيزة أساسية تتداخل مع الخطوط والهياكل والممتزجة مع الإكسسوارات والإضاءة والظلال بإيحاءات ناقدة ساخرة، لتبقى حرية قراءة اللوحة للمتلقي ليكتشف رسالتها الخفية حيناً والمباشرة حيناً آخر والمرتبطة بالأوضاع السياسية والاجتماعية، وقد شغل البورتريه حيزاً من المعرض بعد أن وظّفه الفنانون لإيصال رسالتهم معتمدين على استخدام العلامات الموسيقية على ملامح الوجه الكاريكاتورية وعلى الشعر وضمن فضاءات اللوحة، وبرسم الآلة الموسيقية لتشكل هيكل المرأة، أو باستخدام جزء من الآلة ليلتقي مع بعض مفردات اللوحة وأجزاء الشخوص.

الردّ على الرصاص
ولكن ما يجعلنا نتوقف ونتأمل هو لوحة الفنان السوري مرهف يوسف الذي حصل على جائزة من الجوائز الخاصة والتي جسد فيها على بقعة المسرح العازفين وآلات الأوركسترا، ليختزل المفارقات على أرض سورية بحضور الدواعش بثيابهم السوداء وهم يقابلون نغمات الجمال بمحاولة قتل كل الأشياء الجميلة بالحياة. تلتقي هذه اللوحة في جانب ما مع لوحة الفنان سيرغي سيمينييف من أوكرانيا والتي يرسم فيها مجموعة جنود يحملون بنادقهم، بينهم جندي يحارب بالغيتار لتكون رداً على رصاصهم. أما لوحة الشعار فكانت للفنان الروسي إيغور سميرنوف الذي جسد فيها العزف على مفاتيح البيانو الذي يرمز إلى الحياة بلحظاتها السعيدة والحزينة بإيماءة إلى تشابك الأيدي والتعاون لنشر قيم السلام والجمال.
في حين تميزت لوحة الفنان الإيراني سامان أحمدي برمزيتها لحضور المرأة في الحياة لتكون الجدة قائدة الأوركسترا التي تقف بجوار حمالة النوتات الموسيقية، لتتقابل الصورة مع رمزية الحياة المنبعثة من المرأة بالنوافذ والأبواب والأواني.
وفي صورة مقابلة نجد لوحة الفنان الجزائري كمال براني التي تصور النساء وهن يعزفن أرق النغمات على قيثارة الهارب والناي من داخل الآنية الزجاجية، لتتقابل مع الآنية الأخرى التي ترقص في داخلها النساء على تلك النغمات بتورية واضحة إلى الانغلاقات والأزمات التي تتعرض لها الأنثى ورغم ذلك تكون أقوى وتجد لنفسها منفذاً للضوء.
وتبدو المفارقات بلوحة البورتريه للفنان البلغاري إيفاليو تسفيتكوف الذي رسم العلامات الموسيقية للنوتة على الأنف الكبير في حين حمل المقص الملون بالأحمر بيده إيماءة إلى من يريد التدخل لتحقيق السلام وهو القاتل الفعلي، ومن اللوحات اللافتة أيضاً لوحة الفنان اليوناني جيورجوباليس التي تدعو إلى روح المحبة والسلام بنداءات نغمات البوق الآلة المستخدمة بالمتتاليات العسكرية حاملاً بيده المنديل الأبيض، والتقت بعض اللوحات بقاسم مشترك باستخدام الآلات الموسيقية كمنقذ للذات من براثن الشر الموجود في كل مكان والمنبعث بذاك الدخان الرمادي المتغلغل بفضاءات اللوحة كلوحة الفنان والترتوسكانو من البيرو.

مفارقات مثيرة
اللوحة التي بُنيت فكرتها على المفارقات بين الطبقات الاجتماعية كانت لوحة الفنان موفق فرزات من الكويت بعزف ثنائي على المفاتيح لعازف يستمتع بالموسيقا كنوع من الرفاهية والجمالية ويدور في فلك عالمه المشبع بالجماليات، بينما يعزف الآخر والذي يبدو على هيكله الفقر ليفكر بالأرقام التي تتدخل بمحور يومياته.
ومن اللوحات المضحكة والمثيرة لوحة الفنان فلاديمير سيمرينكو من روسيا إذ أوضح في فضاءات اللوحة معالم المنزل الهادئة ليجسد المرأة على شكل آلة التشيللو تحمل العصا غاضبة وهي تنتظر زوجها الذي يطل خائفاً من باب المنزل.
وضمن فعاليات المعرض عُرض فيلم الموسيقا حياة سيناريو وإخراج الفنان رائد خليل، جمع فيه كل ألوان الثقافة بالموسيقا والغناء والتشكيل برسم الآلات الموسيقية وعلاماتها بألوان زاهية، بدأ منذ لحظة بزوغ الفجر من قلب عتمة الغيوم إشارة إلى روح الموسيقا التي تنعش الأرواح والأفئدة المتعبة لتسرد الإعلامية هدباء العلي حكاية الموسيقا مع الحياة والتي تزامنت مع مقولة”في البدء كانت الكلمة” ليكون الصوت والنغم هو البداية من نغمة زقزقة العصافير إلى صوت الرعد، وكل مقامات الحياة، اعتمد الفنان خليل على التركيز على الآلات التراثية القديمة بالموسيقا الإيرانية المشابهة لسمات آلة البزق من حيث زندها الطويل وأوتارها بالتوثيق بإقحام مشاهد من الغناء والموسيقا في إيران، بدأت مع العزف المنفرد على بدايات آلة الطنبور إلى مشهد غنائي باللغة الفارسية لمجموعة مغنيات تعزفن على آلات التخت الشرقي مع عائلة الآلات ذات الزند الطويل، لتكون رسالة سورية الموسيقية للعالم بانفتاحها نحو ثقافات الآخرين رغم أن المعرض على أرض سورية.

شهادات التقدير
وقدم الإعلامي والشاعر علي الدندح لمحة عن المهرجان الذي انطلق منذ عام 2005 بمشاركات عالمية إيماناً بدور فنان الكاريكاتير الذي مازال أحد المدافعين عن قيم الحق والخير والجمال، ثم دعا الفنان رائد خليل لتكريم لجنة التحكيم التي تألفت من الفنانين عماد صالحي من إيران ووسام خليل من مصر وعلي المندلاوي من العراق، ومن سورية الناقد سعد القاسم والفنان موفق مخول، ومن أسرة الفيلم الإعلامية هدباء العلي، ونور شربا –تسلم شهادة التقدير نيابة عنها الدكتور جلال شربا، والفائز بالجائزة الخاصة الفنان مرهف يوسف –تسلم شهادة التقدير المخرج باسل يوسف-

رسالة سورية الإنسانية
وتحدث الفنان رائد خليل أن الموسيقا تقف في وجه السواد والنشاز الموجود، لذلك أردنا التركيز على دورها في الحياة لأنها تبعد الأشرار وحينما نعلم أطفالنا الموسيقا نكون أغلقنا كل سجون العالم، ليصل إلى أن الأشرار لايغنون، وتابع بأن الجوائز قُدرت بعد مراحل فاز بالجائزة الأولى فنان من إيران آراش فروغي، والثاني من روسيا –الفنان فلاديمير سيميرينكو، والجائزة الثالثة موفق فرزات من الكويت، إضافة إلى ثماني جوائز خاصة، ونوّه إلى أهمية المعرض الذي حفل بمشاركة أربعمئة فنان من اثنتين وسبعين دولة وهذه مشاركة ضخمة في ظل الحرب المفروضة على سورية، وتعد إنجازاً كبيراً لأننا نسعى من خلال رسم الكاريكاتير لإيصال رسالة سورية الإنسانية والأخلاقية إلى كل العالم ولنقول: مازلنا على قيد الحياة.
وأشاد الفنان موفق مخول بجمالية العنوان فأوضح أن فنّ الكاريكاتير لايفصل بين المجتمع والسياسة، وبأن السياسة طرحت من خلال الموسيقا إضافة إلى المفارقات الاجتماعية، وأشاد برسالة الكاريكاتير التي تمتاز بسرعة وسهولة وصولها إلى المتلقي حيثما وجد، وترسم ابتسامة على وجهه مقابل الحالات الكئيبة التي يعيشها فرسالتنا أن نعمم فنّ الكاريكاتير ليستعيد ألقه الذي كان أكبر، وهناك الكثير من المجتمعات التي استخدمت الكاريكاتير لإيجاد الحلول.
ورأى الناقد سعد القاسم عضو لجنة التحكيم لأربع مرات خلال سنوات المعرض أن التكريم هو بإقامة هذا المعرض واستمراره إلا أنه لم يأخذ ما يستحقه من الإعلام ، فهذه المبادرة قائمة على جهد شخص واحد هو مؤسسة بعينها وهو الفنان رائد خليل، وعن المعايير التي اتُبعت بالمسابقة أوضح بأن بعض أفراد لجنة التحكيم خارج سورية لذلك لايلتقون إلا أنهم يتفقون في نهاية التصفية على اللوحات المختارة، وتستبعد الأعمال الضعيفة والأقل سوية، وأشاد بالمستوى الفني العالي الذي كان متقارباً في لوحات المعرض.

ثقافة مغايرة
ومن الزائرين للمعرض توفيق الهادي النائب بالبرلمان الأندونيسي برفقة أعضاء السفارة تحدث عن أهمية المعرض التي تنشر ثقافة الكاريكاتير العالمية فأوضح دور الفنان في إظهار ملامح بلده وأهدافها في لوحته متوقفاً عند مشاركة أندونيسيا التي غالى فيها الفنان بالرفاهية بصورة لاتتطابق مع طبيعة أندونيسيا، ليوصل رسالته بغزو الغرب لبلده بثقافة مغايرة.
ملده شويكاني