أخبارصحيفة البعث

ما دلالات فوز بوتين؟

 

سمر سامي السمارة
بالرغم من أن الحملة الشعواء والاتهامات التي وجهتها بريطانيا ودول أوروبا عامة إلى روسيا، وبالتحديد للرئيس بوتين، أتت في الوقت التي كانت تستعد فيه روسيا لإجراء الانتخابات الرئاسية، وبرغم الحملة المسعورة التي قامت وتقوم بها واشنطن لخلق هوة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وتبنيها سياسة أكثر عدوانية تجاه موسكو، ومحاولة التأثير على الرأي العام الروسي في الداخل والخارج، صوت أكثر من 56 مليوناً من الروس لصالح بوتين في الانتخابات الرئاسية، ليحقق بذلك أفضل نتيجة له خلال مسيرته الرئاسية، ويحطم رقمه القياسي السابق، للعام 2004، حين أيده 71.31% من المقترعين، وهي النتيجة الأكبر في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، وقد أظهر الإقبال الواسع للمواطنين على صناديق الاقتراع فشل البروباغندا الغربية في تشويه صورة روسيا، والتأثير على الرأي العام الروسي، وهو من المؤشرات الهامة على نضوجه.
ويرى محللون ومراقبون أنه لو أسقطنا هذه النسبة على التوجهات السائدة لدى المجتمع والأفراد في روسيا بالنسبة لمن يجب أن يقود روسيا في مرحلة لاحقة، لوجدنا أن نتائج الانتخابات الأخيرة تعكس ظاهرة سياسية موجودة في روسيا، وهي توجه  المجتمع نحو اليسار، أي أنه يهتم بشكل أكبر بالعدالة الاجتماعية، ويرى الناخبون الروس أن بوتين مرشح القوى اليسارية التي تسعى لإنصاف المستضعفين، بالإضافة إلى أن بوتين مرشح شعبي لا يعتمد على القيم الغربية، ولا يدعم السياسات الغربية، وخاصة سياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل ضد المصالح الروسية على الحلبة الدولية، وتعلن روسيا خصماً لدولها، وأن نتائج هذه الانتخابات تُظهر بشكل كامل عدم دعم المرشحين الذين يعتمدون على الاتجاهات والانتماءات الغربية
علاوة على ذلك، فإن استعادة الاقتصاد الروسي لعافيته، والانعكاسات المباشرة لذلك على معدلات النمو الاقتصادي السنوية التي تشهدها روسيا منذ سنوات غير قليلة، إضافة إلى الاستقرار الأمني الوطني والفردي الذي تعيشه البلاد، مروراً بكيفية التعاطي الحكومي الجدي مع عدد هام من رموز المافيا والخصخصة الوحشية التي عانت منها روسيا، وجاءت على حساب الفئات والطبقات غير الميسورة، وعلى مصالح البلاد بأسرها طوال فترة مرحلة ما قبل بوتين، وطبيعة القيادة الروسية الحالية وانتهاجها سياسة جوهرها العمل على تحقيق المصالح الوطنية الروسية أولاً، وفي المجالات كافة، وتبعات ذلك على السياسة الخارجية الروسية في سياق استعادة التحالفات الدولية السابقة، أو تعزيز ما هو قائم منها، إلى بناء علاقات جديدة مع دول وروابط وتكتلات اقتصادية عديدة بغض النظر على طبيعة توجهها الاقتصادي الاجتماعي.. كل هذه الإنجازات العظيمة كانت وراء الفوز الساحق الذي حظي به بوتين.
لم يعد بوتين الشخصية الهامة والمرموقة وذات التأثير الوازن على نطاق روسيا الاتحادية وحسب، بل وفي العالم قاطبة، ذلك لأنه أعاد الاعتبار والهيبة إلى روسيا بوقوفه متصدياً للعربدة الأمريكية في العديد من بقاع العالم، إلى جانب انفتاحه على الدول النامية والتعاون معها في مجالات عديدة سياسية واقتصادية وأمنية، وخاصة فيما يخص الإرهاب، وروسيا تقوم بهذا العمل على أساس المصالح المشتركة ودون فوقية أو تعالٍ إزاء هذه البلدان.