الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ولـلاذقية من أم كلثوم نصيب

 

 

كل ما فيها يشبهها، ساحر كبحرها، بهي كزهر ليمونها، مغناج كصبحها، رشيق كقوامها الزنبقي..
اللاذقية لا تشيخ هي حيّة ببحرها وشطها وكورنيشها، حيّة بمقاهيها الممتدة حتى مطلع الصباح.. أنى تلفت المرء يجد فيها طوق نجاة، مرات عديدة أصابها الإعياء لكنها لم تمت، خلقت اللاذقية لتعيش فهي تعريف الحياة.
ما لفتني بهذه المدينة خلال إقامتي الجبرية الجميلة فيها بسبب الحرب وأفعالها المشؤومة علينا جميعاً كسوريين، العديد من الأشياء الجديرة حقيقة بالوقوف عندها والحديث عنها مطولاً، وهنا أتحدث عن تلك المقاهي التي زينت شوارع المدينة بأسمائها الكبيرة وخدماتها التي ميزت وجودها وثبتته..
“أم كلثوم” مقهى حديث الحضور عتيق وعريق الاسم والمضمون، من يلج بابه يتخيل للوهلة الأولى أنه حظي بمصباح علاء الدين وذهب برفقة سحره إلى عالم شرقي جمع بين أربعة جدران وسقف، من الأثاث، للتحف، للمأكولات، لسهرات الطرب الكلثومية ومشتقاتها التي جمعت السميعة وأهل الفكر والفن من كل أرجاء الساحل والضيوف من المحافظات الأخرى.
الأخوان مظلوم: الشيف غسان النشيط الذي لا يعرف التعب والملل لجسده وروحه طريق، والمحامية ابنة القانون الأستاذة رباب، قررا أن يعيدا للعراقة حقها بكل ما تعني الكلمة من إصرار، مزجا بين الماضي والحاضر بطريقة فنية عالية المزاج والألق، وكان ذلك على صعيد الديكور وما حوى من لوحات وشرقيات وتحف، والمأكولات التي غلب عليها طابع الوجبات البيتية من كل الأنواع وبكل الأوقات، وللموسيقا الدور الأكبر في تميز هذا المكان..
خبرة غسان في مجال الطهي وإدارة المطاعم وذوق وحساسية وأناقة الأستاذة رباب جعلا من هذا المكان قبلة كل ذواق وما أكثرهم في مدينتي، قالت رباب وأخبرتني عن الصعوبات التي عانتها بسبب غياب غسان الذي ناداه واجب الدفاع عن الوطن فلبى النداء، هذه الأنثى أخت الرجال جعلت كل شيء على مايرام وألق وحضور المقهى بقي بأعلى المستويات، فرواده لم يخذلوا مواعيده وسهرات طربه كل مساء، فباب المقهى لا يغلق أبداً مفتوح على مصراعيه لزواره ليل نهار.
وأضافت الأستاذة رباب أن عملها في مجال المحاماة زاد خبرتها في التعامل والاحتكاك أكثر مع الناس في المقهى، فكلا العملين يحتاجان للفن والذوق والخبرة في التعامل مع الأشخاص.
مقهى “أم كلثوم” واحد من مجموعة مقاهٍ وزعت بلا أي اتفاق سابق في أرجاء اللاذقية ونصبت كشاهد عيان على عظمتها وعلى تجددها وأصالة أهلها، وهو عربون محبة وتقدير لصاحبة الطرب الذي لم يختلف على جماله وصفائه اثنان في عالمنا العربي، وهو احتفاء دائم بها من باب الوفاء لصوتها الذي رن في كل أرجاء اللاذقية يوماً من الأيام..
لينا أحمد نبيعة