صحيفة البعثمحليات

فرقاء الإيجار والبيوع يركبون مطية “العقد شريعة المتعاقدين” لشرعنة التهرب الضريبي

دمشق – ريم ربيع

لم يسهم الارتفاع الجنوني في بدلات عمليات إيجار وبيع وشراء العقارات مؤخراً بدعم خزينة الدولة لجهة الضريبة المفروضة على قيمة العقود بالليرات والآلاف التي تعد لتوثيق الواقعات، فمجريات الأمور تقول إن فرقاء العقود ومعهم السماسرة وموظفي “النافذة الواحدة” في المحافظة يستغلون مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” المعمول به حتى الرمق الأخير، مختبئين خلف عباءة القانون الذي شرع التّهرب “الحلال” من ضريبة الأرقام الحقيقية لبدل الإيجار أو البيع، مسجّلين أرقاماً بخسة لا تتناسب وحقيقة المبالغ المرتفعة، وحسب مضمون العقود تلاحظ أن المواطن العادي يستطيع بموجب “الورق” استئجار أفخم الشقق السكنية مقابل 5000 ليرة كحد أقصى..! في حين تصطدم بحقيقة أنك بهذا المبلغ لا تستطيع استئجار كرسي على قارعة الطريق..! فأين الخطأ في هذه الأرقام..؟

الواقع يقول أن لا أحد مخطئ، فالقانون تنحّى جانباً وترك القرار لطرفي العقد، مفسحاً المجال لصاحب العقار أن يختار المبلغ الذي يحلو له كقيمة لإيجار بيته، بينما يسجل في العقد أرقام متواضعة تراوح بين 1000-5000 ليرة بهدف التملّص من الرسوم الواجب دفعها عند تسجيل العقد (1% من بدل الإيجار الشهري)، في حين يقبض صاحب المكتب العقاري أضعاف هذا المبلغ ، ليبني امبراطوريته على حساب الخسارة “الشّرعية” لخزينة الدولة.

مديرة مركز خدمة المواطن المهندسة هالة دهيم تشير إلى الانعكاسات الخطيرة لهذا الإشكال من حيث الخسائر الكبيرة لخزينة الدولة، وفتح الطريق لبعض أصحاب النفوذ من سماسرة العقارات ليتحكموا بالعقود كما يحلو لهم، لافتةً إلى ضرورة تعديل آلية تسجيل العقود، بحيث تحفظ حق جميع الأطراف وتمنع التلاعب من قبل أي شخص، فالقانون الحالي يمنع التحكم بملكية خاصة مفسحاً المجال للمتعاقدين لتحديد شروطهم.

وتؤكد دهيم ضرورة توعية المواطن لحقوقه وواجباته في هذا الموضوع، ولاسيما أن عدداً كبيراًَ من الشكاوي ترد بشكل متواصل، من قبل المؤجرين والمستأجرين على حدٍّ سواء، ففي بعض الحالات يستغل صاحب العقار سوء الحالة المادية للمستأجر وعدم قدرته على تحمل تكاليف دعوى قضائية، فيطالبه بأضعاف المبلغ الموثّق في العقد مقابل بقائه في  الشقة.

أمّا في حال ادّعاء المستأجر على صاحب الشقة للالتزام بالمبلغ الموثّق، فيحقّ له البقاء في العقار حسب المدة التي تقررها دائرة التنفيذ ومقابل المبلغ المتفق عليه في العقد، إذ من الممكن في بعض الحالات أن يبقى المستأجر في الشقّة لمدة 15 يوماً مقابل 250 ليرة فقط ! فضلاً عن احتكامه بالمادة /15/ من قانون الإيجارات للعام 2015  التي جاء في نصها : (يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف ليرة كل مؤجر قام بعمل يقصد به إزعاج المستأجر والضغط عليه لإخلاء العقار أو زيادة أجرته القانونية، وللمستأجر أن يصلح ما أفسده المؤجر أو المالك بالذات أو بالواسطة ويحسم نفقات ذلك من بدل الإيجار).

ومن وجهة نظر أكاديمية يحذّر مختصون في كلية الاقتصاد من النتائج الكارثية لمختلف أشكال التهرّب الضريبي على الخزينة العامة، حيث تقدر موازنة الدولة من الضرائب 30- 40% فقط، في حين تتعدى الـ 70- 80 % في الدول المتطورة؛ مما ينعكس سلباً على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن. ويضيف مدرس جامعي أنه من الضروري إيجاد قواعد ضابطة للمطالب الضريبية لتجنب المشاكل الناشئة من التقدير الجزافي في فرض الضريبة، فبالنسبة للعقارات السكنية يجب أن تكون الضريبة حسب المنطقة والتخديم السكني والارتفاع الطّابقي، لافتاً  إلى أنه من واجب وزارة المالية والإدارة المحلية العمل بجديّة لإيجاد نظام ضريبي متطور يتماشى مع الواقع الاقتصادي الحالي في البلاد، ولاسيما أن تطوير قوانين السكن والضرائب والمناطق العشوائية كلها تصب في صلب المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه الرئيس الأسد في 2017، وبالتالي على كل الوزارات والجهات المعنية الالتزام بواجباتها في تطبيق هذا المشروع.