أخبارصحيفة البعث

فنزويلا.. واستقلال القرار الوطني

 

د. صابر فلحوط
هل تركت أمريكا سبيلاً من سبل الحصار والضغط ضد الشعب الفنزويلي الصديق إلا وسلكته، وبخاصة في عهد الرئيس المناضل الراحل هوغو شافيز، والرئيس مادورو المنتصر في تجديد الولاية، وانتزاع النصر الديمقراطي من أنياب الوحش الأمريكي، الأمر الذي يؤكد أن شعب فنزويلا يواصل رغم العواصف الهادرة والمؤامرات الأمريكية الغادرة والمتوالية حمل راية “البوليفارية”، وتمسكه بنهج سيمون بوليفار، وغيفارا، وكاسترو، وشافيز، وأمثالهم من القادة والأبطال في تاريخ أمريكا اللاتينية.
ولعل القاعدة الذهبية الثابتة في السياسة الدولية هي التي تقول: إن مجابهة البلطجة الأمريكية في جميع الظروف أحقن دماً، وأقل كلفة من مهادنتها، أو الخضوع لها أمس واليوم وغداً.
وهكذا كان، وما يزال نهج الشعب العربي السوري الذي يخوض جيشه الباسل حربه الوطنية العظمى منذ عام 2011 في مواجهة الحلف الأمريكي الصهيوني الإرهابي الرجعي، ويحقق الانتصارات المشرّفة عليه بالرغم من تحشيده القتلة والإرهابيين والتكفيريين، والدعم الهائل بالسلاح والسياسة والإعلام والمال المنهوب من جيوب الشعوب، وبخاصة من ذوي القربى في الدار العربية.
إن ملايين الفنزويليين التي زحفت إلى صناديق الاقتراع، واختارت قائدها، ابن الشعب الكادح”مادورو”، رئيساً على خطا القائد شافيز، إنما كانت توجه رسالة قدرية لأمريكا وعملائها- كما أنها كانت تجدد ذاتها، وتعاهد أصدقاءها من شعوب أمريكا اللاتينية والعالم- مفادها أن الوحش الأمريكي بدأت هيبته تتلاشى، وسطوته تتآكل بفضل الصحوة التي تمارسها الشعوب المناضلة في العديد من دول العالم الثالث، والتي تتكفل دماء رجالها بصون كراماتها وانتصار حقوقها.
وليست نماذج الصمود في كوبا وكوريا الديموقراطية وفنزويلا وسورية، إلا منائر في صدر التاريخ السابق والمعاصر لانتصار الدم الوطني على سكين الغزاة والطغاة والمستكبرين.
ولعل شعبنا العربي السوري الذي تتساوق وتتلاحم مواقفه الباسلة مع الشعب الفنزويلي الصديق يعتز بالتضامن مع هذا الشعب، انطلاقاً من المواقف الواحدة في السياسة الدولية القائمة على تطابق الرؤى، والتطلع إلى العدالة، وحفظ الكرامة، واستقلال القرار والإرادة، وصولاً إلى عالم تخلع فيه أنياب الوحش الأمريكي الصهيوني، وتكسر أيدي المال العربي المسروق من رغيف الشعوب لينفق على الموائد الحمراء، والمؤامرات الحاقدة، والحروب الغادرة.
إن شباب الوطن، الذين توجهوا إلى فنزويلا الصديقة في مطالع فتوتهم، قد أسهموا بإعمار هذا البلد الذي احتضنهم، وأفسح لهم جميع مجالات العمل والإبداع وإبراز المواهب والكفاءات حتى تسنموا الرفيع من المناصب “مدراء بنوك، ونواب، ووزراء، وأساتذة جامعات”، حتى وصل واحد منهم وهو السيد طارق العيسمي إلى منصب نائب رئيس الجمهورية الفنزويلية، وهو ابن جبل العرب”، الأمر الذي يعكس التماهي والنضال السابق والراهن والمستقبلي بين البلدين الصديقين.
كما أن مواقف فنزويلا من القضية المركزية للأمة العربية “فلسطين” قد تجاوزت مواقف معظم الدول العربية في الدفاع عن هذه القضية العادلة ودعمها في مختلف المجالات.
وهنا لابد أن نشير إلى أن المهاجرين السوريين إلى فنزويلا قد حملوا معهم تقاليد الوطن وقيمه ودروسه لتصبح بذار خير في تربة البلد الصديق المضيف، وقد قرأت مؤخراً دراسة اجتماعية تشير إلى أن المهاجرين السوريين هم الأكثر نجاحاً وإخلاصاً ومصداقية في العمل، كما أنهم الأقل ارتكاباً للأخطاء والجنح بين مختلف الجنسيات والشرائح الاجتماعية بين المهاجرين في فنزويلا.
إن شعبنا الذي اختبر مؤامرات أمريكا، بدءاً من مشاريع الهيمنة القديمة والتي جاءت مع انزراع السرطان الصهيوني العنصري في قلب فلسطين، ومروراً بالأحلاف والمشاريع من فراع ايزنهاور، والشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلّاقة، وانتهاء بالإرهاب التكفيري الوهابي النفطي الرجعي، لن يكون إلا السند والدعم للشعب الفنزويلي، لأن انتصاره هو انتصار لمواقف سورية العربية بقيادتها الحكيمة، وجيشها الأسطوري، وشعبها العملاق، على الامبريالية الحاقدة، والصهيونية المجرمة، والرجعية النفطية المتخلفة، كما أنه انتصار في الوقت نفسه لكرامة الشعوب وحقوقها في السيادة واستقلال القرار وحريته.