أخبارصحيفة البعث

ترامب خطر على العالم

 

بعد جميع السياسات التصادمية التي تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخلياً وخارجياً، ما الذي يتوخاه من إشعال حرب اقتصادية مع أقرب حلفائه التجاريين، كندا والمكسيك وأوروبا؟.

يدرك المراقب لسياسات ترامب أنها تقوم على تدمير كل ما هو قائم، سواء أكان مثالياً أم جيداً إلى حدّ ما، وإعادة صياغته من جديد، تماماً كما تفعل الولايات المتحدة عندما تدمّر البنى التحتية في دول العالم الثالث لإعادة بنائها تحت مسمى إعادة الإعمار، مع الاختلاف طبعاً بطبيعة الشيء الذي يتعرض للتدمير، فعندما تقوم واشنطن مثلاً بإشعال الحروب حول العالم تتوخّى أولاً إنعاش سوق السلاح الأمريكي من خلال صفقات السلاح التي يتم إبرامها مع الدول المتناحرة لجمع أكبر قدر ممكن من الدولارات، وهي كذلك عندما تقوم بعقد مؤتمرات لإعادة البناء في هذه الدول، حيث يتم إرساء عقود إعادة الإعمار على كبريات شركات البناء في العالم، وهي أمريكية في الأغلب الأعم، أو مرتبطة تجارياً بالولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن العملة المستخدمة في كل ذلك هي الدولار الأمريكي؟.

وفي مراقبة بسيطة لما أنجزه ترامب منذ توليه مقاليد الحكم في البيت الأبيض، يمكن أن نلاحظ مجموعة من الاتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية التي قام ترامب بالانقلاب عليها أو نقضها، حيث ألغى قانون الرعاية الصحية الذي أصدره سلفه باراك أوباما “أوباما كير”، كما سنّ قانوناً جديداً للهجرة، أثار احتجاجات واسعة في الداخل، وخاصة أنه يستهدف الناس على نحو ديني وعرقي بالدرجة الأولى، حيث كان موجهاً خاصة نحو المسلمين والسود والهنود الحمر في المكسيك، التي أراد أن يبني على الحدود معها جداراً عازلاً، وفي الخارج عمل على خروج أمريكا من مجموعة من الاتفاقيات، منها معاهدة “نافتا” الموقّعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، وهي اتفاقية تسهيل جمركي لمرور البضائع بين هذه الدول، ويصرّ ترامب على الخروج من هذه الاتفاقية بدعوى توفير فرص عمل للمواطنين الأمريكيين.

وأصدر ترامب أكثر القرارات المثيرة للجدل والانقسامات على الصعيد الدولي التي لم تجرؤ أية إدارة أمريكية سابقة على اتخاذها، وهو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني، ومؤخراً صعّد في الاتجاه الأخطر الذي هو مقدّمة لتبرير الحمائية التي يحاول أن يفرضها على العالم، حيث أعلن عن انسحاب بلاده من الاتفاق مع إيران بشكل منفرد تحت ذرائع وحجج مختلفة تخفي وراءها رغبته في التمهيد لحرب تجارية من نوع خاص مع شركائه التجاريين في العالم، فبدأ بالصين عبر رفع الضرائب على الواردات الأمريكية منها، وكذلك فرض عقوبات على مجموعة من الشركات الكبرى في العالم التي ارتبطت مع إيران بعقود اقتصادية كبرى، منها توتال الفرنسية وغاز بروم الروسية وغيرها.

لا شك أن اتخاذ كل هذه السياسات المدمّرة حول العالم، لم يكن عبثياً بالنسبة لهذا الرجل، حتى لو خُيّل للناظر إليها أنها كذلك، لأن هذه السياسات والقرارات تخفي وراءها عملاً ممنهجاً يصبّ في خانة واحدة هي تدمير كل الأسس الموضوعية الاقتصادية والسياسية الموجودة في العالم، ومحاولة إعادة تشكيلها وبنائها من جديد على نمط مسألة إعادة الإعمار، وذلك يحقق له أمرين أساسيين، أولهما ربط العديد من الشركات الأمريكية التي تتمتع بمكانة عالمية بعقود إعادة الإعمار المتوخاة من الهدم، وهذا ما يفسّر سيلان لعاب الإدارة الأمريكية على عقود إعادة الإعمار في سورية التي ترفض أن يكون للإدارة الأمريكية دور في ذلك، ما يدفع هذه الإدارة إلى اتخاذ قرارات آنية على الأرض تبرّر هذا التخبط، وثانيهما إعاقة القوى الصاعدة كروسيا والصين عن التقدم والتطور، وهذا ينسحب أيضاً على أوروبا التي هي تكتل اقتصادي كبير يمكن أن ينازع الولايات المتحدة، ويتغلب عليها.

وبالتالي ليس بالضرورة أن نفهم أن الولايات المتحدة تنسحب من الاتفاق النووي مثلاً، لأنه لا يحقق الحد الأدنى من المطالب الغربية، حيث أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً التزام إيران بتطبيق الاتفاق، وأن وجود الاتفاق خير من عدمه، وأنه يعدّ مثالياً بالنسبة إلى العالم، ولكن الأمر في الحقيقة يتجاوز ذلك إلى عمل أمريكي مدبّر للحفاظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم، حتى لو كان ذلك على حساب أقرب حلفائها التجاريين، وهو الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يفسّر على وجه الحقيقة وقوف الولايات المتحدة إلى جانب بريطانيا في قرارها المتخذ بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي – إن لم تكن هي خلفه – وسعيها الغريب لزرع الخلافات بين الأوروبيين، سواء كان ذلك على مستوى المنظمات التجارية العالمية، أم على مستوى الاتحاد نفسه، أم حتى على مستوى “ناتو” الذي يشترك الجميع في عضويته.

لذلك نستطيع أن نفهم أن سياسة ترامب الآن تعمل بشكل ممنهج على تدمير الحلفاء التجاريين الأقرب وهم الأوروبيون، ظناً منه أن ذلك يمكن أن يمنح فرصة للولايات المتحدة قبل الهبوط من الذروة التي تحتلها، وهذا بالضبط ما تحاول الولايات المتحدة تأخيره.

طلال الزعبي