دراساتصحيفة البعث

عواقب مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون صفقة

ترجمة وإعداد: علاء العطار
تفصلنا أشهر قليلة حتى تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، ولاتزال تتزايد الاختلافات السياسية حيال شروط الخروج، وتواجه بريطانيا خطر الخروج دون صفقة إذا تم رفض خططها.
ويبدو أن مفاوضات البريكست تمر بمأزق، حيث تبدو الأمور متأزمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حيال قضايا الحدود مع ايرلندا الشمالية، والشكل الذي قد تتخذه الصفقة التجارية المحتملة، ومع بقاء أشهر فقط حتى الموعد النهائي لإجراء محادثات تشرين الأول، وقلة الطرق التي يمكن سلكها للوصول إلى حل، يتوقع العديد عدم التوصل إلى اتفاق، ولكن ماذا يعني عدم التوصل إلى صفقة عملياً؟.

لا فترة انتقالية
إن لم يتم التوصل لاتفاق، فهذا يعني أنه لن تكون هناك فترة انتقالية، وهو ما اقترحته تيريزا ماي خلال تفاوضها مع الاتحاد الأوروبي، بحيث ستواصل المملكة المتحدة خلال هذه الفترة اتباع قواعد الاتحاد الأوروبي لمدة لا تزيد عن عامين بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي في آذار 2019.
ومن المفترض أن تتيح “فترة التنفيذ” هذه الوقت اللازم لوضع ترتيبات جديدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مثل التوصل إلى صفقة تجارية جديدة للبضائع البريطانية.
لكن هذه الفترة الانتقالية مشروطة بالتوقيع على اتفاق الانسحاب، فإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق انسحاب، فليس هناك فترة انتقالية، وعليه، فإن الاقتصاد البريطاني سيقف على حافة الهاوية.
يقول الدكتور سيمون أشروود، وهو أستاذ في السياسة بجامعة سُرِيْ: “في 29 آذار من العام القادم، ستغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، وسينتهي كل شيء مرتبط بذلك، وعدم التوصل لصفقة لن يمنع المملكة المتحدة من المغادرة، ولكنه يعني أن ليس هناك أي وضوح على الإطلاق بشأن ما يحدث”، إذاً، ما الذي يمكن أن يحدث فعلاً دون صفقة؟.. هذه ليست سوى بعض العواقب.

ضربة موجعة للتجارة
سيجبر الانحدار الاقتصادي المملكة المتحدة على التجارة مع الاتحاد الأوروبي بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، ففي الوقت الحالي، لا تخضع السلع التي تتحرك بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة للتفتيش عند الحدود، ولا تفرض عليها أية تعريفات جمركية، كما أن سلاسل التوريد المعقدة في صناعات مثل صناعة السيارات تتخطى الحدود الوطنية، ولكن بموجب تلك القواعد، ستخضع السلع لعمليات تفتيش جمركية وتنظيمية فورية، وسيتعين على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي دفع رسوم جمركية على بضائعهما، وهذا ليس أمراً يمكن للاتحاد الأوروبي اختياره، فالمنظمة تلزم الدول بفرض التعريفات نفسها على دول ليس لديها اتفاق تجاري معها، وهي قاعدة تُعرف باسم تعريفة “الدولة الأَوْلَى بالرعاية”، امنح دولة ما ميزة خاصة، وسيتوجب عليك أن تفعل ذلك مع جميع الأعضاء.
بعض التعريفات سيكون لها أثر أبلغ من غيرها، وسيصيب الأثر الأبلغ المزارعين البريطانيين الذين سيواجهون 30-40 في المئة من رسوم التصدير إلى الاتحاد الأوروبي، ما يجعل العديد من الصادرات غير قابلة للاستمرار، وستفرض التعريفات الجمركية المنخفضة على أشياء مثل قطع غيار السيارات، حيث ستُطبق رسوم بنسبة 5%.
هذه التعريفات تطابق ما تفرضه بريطانيا، وهي حالياً عضو في الاتحاد الأوروبي، على الدول من خارج الاتحاد الأوروبي، وبعد أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستجد نفسها في وضع مختلف تماماً عما كانت عليه.

الاقتصاد البريطاني الأوسع
من الصعب تحديد التأثير الدقيق لهذا الانخفاض الهائل في تجارة وصادرات المملكة المتحدة على الاقتصاد البريطاني، ولكن من المنصف القول: إنه لن يكون جيداً، فقد توقعت وزارة الاقتصاد والمالية قبل إجراء الاستفتاء أن هذا الخروج سوف “يدفع المملكة المتحدة إلى الركود، ويؤدي إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة”.
وتتوقع الوزارة أن يرتفع معدل البطالة بمقدار 820.000 خلال عامين، وأن تنخفض قيمة الجنيه الاسترليني بنسبة 15%، وأن يزداد التضخم بنسبة 2.7%.
من جانب آخر، لن تضطر الحكومة البريطانية إلى دفع المساهمة السنوية في ميزانية الاتحاد الأوروبي البالغ قدرها 13 مليار جنيه استرليني، لكن بريطانيا ستخسر بعض الإعانات المالية الأوروبية، فالسياسات الزراعية المشتركة تمنح المزارعين 3 مليارات جنيه استرليني.

ارتباك في الموانئ والمطارات
إضافة إلى الخلل الاقتصادي، من المؤكد حدوث ارتباك كبير في موانئ مثل ميناء دوفر بسبب الحاجة إلى الضوابط الجمركية والتنظيمية للسلع، حتى إن استخدام نظام عالي التقنية لفحص شحنات البضائع يتطلب احتجازها لمدة لا تقل عن خمس أو 10 دقائق، وقد يتطلب وقتاً أطول إذا حدث خطب ما، وهو أمر وارد.
ويجب أن تحتجز آلاف الشاحنات يومياً في مكان ما، وقد ذكرت صحيفة “ذي اندبندنت” في وقت سابق من هذا العام أن الباحات الكبيرة المخصصة لوقوف الشاحنات، والمخطط إنشاؤها في المناطق الساحلية في كينت، لن تكون جاهزة في الوقت المناسب إن حدث وخرجت بريطانيا دون صفقة، فالنكسات التخطيطية للمشروع عنت أن على المسؤولين أن يبدؤوا من الصفر، وعوضاً عن ذلك، تخطط الحكومة لإغلاق جزء من الطريق السريع القريب، واستخدامه كباحة للشاحنات الضخمة.
يقول الاتحاد الأوروبي: في حال تركت بريطانيا السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، سيتعين عليه فرض عمليات تفتيش حدودية مماثلة على أية حال، لكن الفترة الانتقالية ستمنح المملكة المتحدة الوقت اللازم لتوسيع بنيتها التحتية للتكيف مع ذلك، كما سيحدث ارتباك في الخارج أيضاً في موانئ مثل روتردام الذي يعالج الكثير من البضائع البريطانية.

الأسعار في المحال التجارية
من المرجح أن تزداد أسعار السلع الاستهلاكية بشكل ملحوظ في حال عدم وجود صفقة، خاصة بالنسبة للأغذية كاللحوم والجبن.
يقول بحث أجرته كلية الاقتصاد بلندن، بتكليف من صناعة الألبان: إن منتجات الألبان ستتأثر بشكل خاص، و”سنشهد نقصاً في المنتجات وارتفاعاً حاداً في الأسعار، وتحول المواد الغذائية اليومية مثل الزبدة، واللبن، والجبن، وحليب الأطفال، إلى كماليات”، كما يدّعي البحث أن سبب ذلك هو الاعتماد على المنتجات المستوردة من أوروبا، وسلاسل التوريد المعقدة التي ستكون حساسة للغاية بالنسبة لأي تأخير.

الحدود الايرلندية
لن يتم الفصل في مسألة الحدود بين ايرلندا الشمالية والمملكة، وفي حين تم الاعتراض على البنية التحتية المادية، فإن هذه الحدود ستصبح حدوداً خارجية للاتحاد الأوروبي في حال خرجت بريطانيا دون صفقة، وستتم ممارسة ضغوط لإنفاذ ضوابط جمركية، وضوابط على الهجرة.
يقول ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف البريكست: “لقد تسبب البريكست بمشكلة في ايرلندا، وعليه، فإن مسؤولية إيجاد حلّ عملي تقع على عاتق المملكة المتحدة، لم نتلق إلى الآن أي حل عملي”.

الأثر على الاتحاد الأوروبي
ادعى دومينيك راب، وزير البريكست، بأن الآثار المترتبة على خروج بريطانيا دون صفقة ستكون أكبر على الاتحاد الأوروبي، بيد أن المسؤولين اعترفوا بأن الدليل على ما قاله راب لا يشمل سوى مجال اقتصادي واحد، ألا وهو المشتقات المالية.
ومن المرجح أن يتضرر اقتصاد الاتحاد الأوروبي بانهيار المحادثات، ولكن من الصعب قياس تلك الآثار، وتأتي 35% من الواردات البريطانية من الاتحاد الأوروبي، وحدوث أي اضطراب في التجارة سيضر كلا الجانبين.
لكن اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي تبلغ حوالي 13.5 تريليون دولار مقارنة بـ 2.6 تريليون دولار في المملكة المتحدة، وبما أنهما غير متساويين في الحجم، فإن الأهمية النسبية لاقتصاد المملكة المتحدة أقل مقارنة بالاتحاد الأوروبي ككتلة.
ومن المرجح أن يكون التأثير غير متكافئ، فبعض القطاعات والشركات التي تتعامل بشكل وثيق مع المملكة المتحدة ستكون الأكثر تضرراً، وحيث تقل الروابط التجارية، يقل التأثير.

الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدانهم
هنالك 1.3 مليون بريطاني، وهم موزعون على دول الاتحاد الأوروبي، و3.7 مليون أوروبي في بريطانيا، لذا في ظل عدم وجود صفقة، فإن شروط إقامة الأوروبيين في بريطانيا والعمل فيها لن تكون واضحة، الأمر الذي سيجعلهم أجانب يقيمون في البلاد بصورة غير شرعية، والأمر ينطبق على البريطانيين الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي.
يقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي إنهم يريدون وضع خطط طوارئ لمنع حدوث ذلك، ولكن ليست واضحة ماهية هذه الخطط، وعلى غرار الفترة الانتقالية، فإن الأحكام التي يتم التفاوض عليها في اتفاقية انسحاب الاتحاد الأوروبي لحماية حقوق مواطنيه لا تنطبق في حال عدم وجود صفقة، لأن الصفقة برمتها تأتي كحزمة.
وقال الوزراء في وقت سابق إنهم يستخدمون مواطني الاتحاد الأوروبي “كورقة مساومة” في المفاوضات.
وتحذر مجموعة “ذا ثري ميليَنْ”، وهي مجموعة تمثل مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في المملكة المتحدة، من أن مواطني الاتحاد الأوروبي يعيشون بالفعل ضمن “مشهد سياسي جديد، وحالة عدم يقين غير مسبوقة فيما يتعلق بطبيعة وضع إقامتهم في بريطانيا بعد البريكست”.

السياسة
إن احتمال أن تسمح أغلبية في البرلمان بعدم التوصل إلى صفقة هو احتمال بعيد، بيد أن تيريزا ماي قالت مراراً: “دون صفقة أفضل من صفقة سيئة”، لذا فإن عدم التوصل إلى صفقة لن يضع حداً لها بالضرورة.
وفي حين أن الضائقة الاقتصادية الناتجة، وإدراك عدم كفاءة الحكومة، قد يُلحقان ضرراً بالغاً بصورة الحكومة في أعين الشعب، إلا أن الحصيلة قد تُرضي العديد من النواب المحافظين الذين يفضّلون عدم وجود صفقة.
ولأن النواب المحافظين والحزبيين هم الذين يختارون رئيس الوزراء، دون إجراء انتخابات، فمسألة نجاة رئيس الوزراء ستقع على عاتقهم.
من ناحية أخرى، قد يرى بوريس جونسون، وأي شخص آخر لديه طموحات قيادية، وهو حالياً بعيد عن الأنظار، أن أية ضربة سياسية توجه لماي هي فرصة سانحة له.
ومن منظور الاتحاد الأوروبي، فإن عواقب الخروج على الاقتصاد البريطاني ستضمن ألا تحاول أية دولة مغادرة الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب، كي لا يصيبها ما أصاب بريطانيا.