دراساتصحيفة البعث

هل تتجه تركيا إلى أزمة اقتصادية؟

 

ترجمة: سلام بدور
عن موقع “بي بي سي” 8/8/2018

أثارت التطورات الأخيرة في الأسواق المالية التركية القلق، حيث فقدت العملة التركية “الليرة” نحو 30% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام الجديد. وقد تراجعت سوق الأسهم بنسبة 17% أو إذا قمنا بقياسها بالدولار كما يفعل بعض المستثمرين الأجانب فإن الانخفاض هو 40%.
أما بالنسبة للاقتراض الحكومي وهو الإجراء الذي غالباً ما تتمّ مراقبته في الأسواق، فإن اقتراض تركيا لمدة عشر سنوات في عملتها الخاصة يكلفها 18% سنوياً، وحتى الاقتراض بالدولار كذلك أمر مكلف لتركيا قد يبلغ نحو 7%.
في الحقيقة لدى تركيا عجز في تجارتها الدولية، فهي تستورد أكثر مما تصدّر، أو بعبارة أخرى تنفق أكثر مما تكسب، ولذلك يتوجب عليها تمويل هذا العجز إما عن طريق الاستثمار الأجنبي أو عن طريق الاقتراض، إلا أن هذا العجز ليس خطيراً أو غير عادي، ولكنه قد يصبح كبيراً عند مقارنته بالدخل القومي البالغ 5.5% من الدخل القومي أو الناتج المحلي في العام الماضي.

ميزتا الديون الخارجية
أولاً: لديها مستوى عالٍ من الديون والقروض المستحقة السداد والأموال المقترضة من جديد، إذ يجب عليها إعادة تمويل هذه الديون لاستخدام لغة الأسواق المالية، حيث تقدّر وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني احتياجات التمويل الإجمالي لتركيا هذا العام بنحو 230 مليار دولار.
ثانياً: أدّت استعانة العديد من الشركات التركية بالعملة الأجنبية إلى انخفاض العملة الوطنية لدى تركيا، وهذا ما جعل القروض أكثر تكلفة السداد، وبدوره أدى ضعف العملة إلى تفاقم مشكلة التضخم المستمر في تركيا، فالليرة الأضعف تجعل الواردات أكثر تكلفة.
لدى البنك المركزي التركي هدف تضخم بنسبة 5% إلا أن هذا التضخم كان أعلى من ذلك بكثير قبل عام، حيث بلغ نحو 10% ومنذ ذلك الحين تدهور الوضع أكثر مع ارتفاع الأسعار بمعدل سنوي يبلغ نحو 15%، إضافة إلى أن المستثمرين في الأسواق المالية التركية يشعرون بعدم الارتياح إزاء آراء الرئيس أردوغان بشأن السياسة الاقتصادية والضغط الذي ينظر إليه على أنه يمارس على البنك المركزي، حيث يوجد خيار واضح للسياسة الخارجية أمام البنك الذي سعى إلى خفض معدلات الفائدة المرتفعة وكبح التضخم بطرقتين هما إضعاف الطلب في الداخل وزيادة العوائد المالية في تركيا لتشجيع المستثمرين على شراء الليرة مما يقوي العملة التركية ويقلّل من تكلفة الواردات، ولكن لم يكن لهذه التحركات التي اتخذها البنك المركزي التركي تأثير دائم على المشكلة. وما يزعج الأسواق هو معارضة الرئيس أردوغان المعروفة لمعدلات الفائدة المرتفعة، فهو يصف نفسه كعدو لمعدلات الفائدة العالية، فكانت النتيجة أن أصبح المستثمرون غير مقتنعين بأن البنك المركزي سيفعل ماهو مطلوب لاستقرار العملة وجعل التضخم تحت السيطرة، وهذا ما سيجعلهم أكثر حذراً بشأن الأصول المالية التركية.
أما بالنسبة للعلاقات التركية الأميركية فقد تقوّضت الثقة أكثر في العلاقات مع أميركا، وذلك مع قيام تركيا باحتجاز راعٍ إنجيلي أمريكي، مع وجود خلافات حول المقاربة تجاه سورية، إضافة إلى قيام الولايات المتحدة باستعراض أهلية تركيا لبرنامج يعطي العديد من صادرات البلدان النامية إمكانية الوصول إلى السوق الأميركية من دون رسوم جمركية. إضافة لذلك تجد تركيا نفسها في خطر من التطورات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يواصل البنك الفيدرالي رفع سعر الفائدة مما يشجع المستثمرين على سحب الأموال من الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من أن ذلك له تأثير معتدل، إلا أنه يعدّ عاملاً مشدداً محتملاً على بلدان مثل تركيا، إضافة إلى وجود نقاط ضعف أخرى. من جهة أخرى يعتبر الأداء الحديث للاقتصاد التركي معقولاً في بعض النواحي، حيث شهدت تركيا نمواً في كل عام من أعوام هذا القرن باستثناء عام 2001 حيث عانت حينها من أزمة اقتصادية تلقت على إثرها مساعدات من صندوق النقد الدولي، وفي عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ولكن النمو كان قوياً جداً في بعض الأعوام، ومع ذلك يعتبر معدل البطالة مرتفعاً للغاية حيث بلغ 9.9% في آخر إحصاء.
أحد الاختلافات المهمّة للأزمة التركية الحالية مقارنة بأزمتها في بداية القرن هو أنه لا يوجد الآن أي هدف لسعر الصرف على عكس عام 2001. في ذلك الوقت أجبر الضغط في أسواق العملات تركيا على التخلي عن الأهداف، أما هذه المرة فلا يوجد أي ربط للعملة، لذلك تمّ السماح لليرة بالهبوط، حيث تقول وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني بأن النمو الاقتصادي قد تعزّز إلى مستويات غير مسبوقة من خلال سياسات الإنفاق والضرائب، وتقول الوكالة إنه قد تمّ إهمال سياسات النمو على المدى الطويل في ضوء التركيز على الدورات الانتخابية. وبالمقابل تحذّر وكالة “فيتش” من أن خطر حدوث هبوط حاد في الاقتصاد هو مؤشر على وجود تباطؤ حاد وازدياد في الركود.