تحقيقاتصحيفة البعث

بيان ولادة؟!

 

تخيّلوا معنا هذا المشهد الحياتي المؤلم بنتائجه وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، وما يتبع ذلك من سلبيات تربوية وتعليمية، وو.. كان يسير أمامهم حاملاً طفله ابن العامين، وخلفه يسير باقي أفراد الأسرة: “الأم الحامل، وأربعة أولاد في أعمار متقاربة”، وما يزيد من قساوة الصورة حالة البؤس الواضحة على وجوهم وملابسهم التي بالكاد تغطي أجسادهم الغضة، وطبعاً هذا المشهد اللافت ليس فريداً، بل هو نسخة مكررة لآلاف المشاهد التي تنقل الصور ذاتها عن واقعنا الأسري الذي بات أكثر فقراً وتشتتاً وضياعاً مع قساوة الظروف، وصعوبة الواقع المعيشي!.
لا شك أن تفاصيل هذا المشهد لا تخص شريحة معينة من الناس، بل يمكن تعميمها على المجتمع بأكمله، وتندرج ضمن تصنيف العرف الاجتماعي، والتفسير والفهم الخاطىء للحياة بكل وجوهها، ونستشهد هنا بأفكار أحد الأصدقاء الذي لم يفاجئنا دفاعه عن نفسه عندما تم انتقاده على استمراره في الإنجاب، وخاصة في هذه الظروف الصعبة، حيث يثبت بيان الولادة الجديد الذي تقدم به للحصول على التعويض العائلي أنه أصبح أباً لأسرة مكونة من خمسة أطفال، بالرغم من أنه لم يمض على زواجه سوى عشر سنوات، والغريب أن يختصر إجابته عن أي انتقاد يوجه له، وهو المصنف في فئة المثقفين والجامعيين، وضمن صفوف الفئة الأولى وظيفياً، بقناعات إيمانية قائمة على بديهيات غيبية لم يعد لها مكان في حياة الواقع: (بيجي ورزقتو معو)، وما يثير الأسف أكثر أن شظايا أفكاره المتمترسة في خندق البيئة الاجتماعية كانت تتطاير عبر كلماته المتشنجة لتصيب أي حوار في هذه القضية بلعنات الإلغاء والتنكر للحقائق الإيمانية، والانغماس في فكر “العصرنة ” الذي تسلل إلى مجتمعنا ليخرب عقول الناس، وليبعدهم عن هويتهم الحقيقية!.
ورغم حرصنا على عدم التدخل في الحياة الشخصية، أو اختراق الكينونة والحصانة الفكرية المجتمعية، أو التلاعب بالمعتقدات الشعبية، إلا أن ذلك لن يمنعنا من إعادة الحديث عن أهمية تنظيم الأسرة، فصعوبة المرحلة الحالية على الناس، وخاصة مع تضاعف أعبائها المعيشية بحكم الواقع المستجد، تشكّل الآن بوابة آمنة للعبور إلى داخل المجتمع، وتقليم بعض الأفكار المتدحرجة في زواريب الفهم والتفسير الخاطئ الذي يزيد من فاتورة التكلفة الاقتصادية، سواء على الأسر، أو المؤسسات الحكومية، وخاصة من ناحية الإنفاق، وفي الوقت ذاته لها الدور الأكبر في نشر الكثير من الأمراض الاجتماعية المؤثرة سلبياً على البيئة التربوية التي تتعرّض اليوم لامتحان البقاء في دائرة القيم والأخلاق.

Basherf72@gmaIl.com