أخبارصحيفة البعث

حرب باردة في المحيط الهادي

بعدما يقرب من عامين بدأت سياسة إدارة الرئيس ترامب تتبلور في آسيا، وهي في الغالب تتركز حول الصين، إذ تريد واشنطن تأييد بلدان آسيا الأخرى لكسب صراعها مع الصين من أجل الهيمنة على المنطقة.

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين هي مزيج من الاحتواء والمواجهة، فاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة ترى في الخلاف بين الولايات المتحدة والصين “تنافساً جيوسياسياً”، وتزعم أن الصين تريد تغيير القواعد والقيم الحالية التي تحكم العلاقات بين الدول، بما يقوّض “النظام الدولي” الذي أسهمت الولايات المتحدة في بنائه، ولقد أصدر الكونغرس الأمريكي “قانون تفويض الدفاع الوطني” الذي يعتبر الصين تهديداً أساسياً للأمن الأمريكي، ويقترح مجهوداً مضاعفاً تجاهها.

هذه المواقف المشككة بالصين تجد أوضح تعبير لها في خطاب نائب رئيس الولايات المتحدة، مايكل بنس، في 4 تشرين الأول الماضي، الذي أكد فيه على عبارة “نحن أو هم”، منتقداً الصين بشدة، وأنها لا تريد شيئاً إلا إخراج الولايات المتحدة من منطقة غرب المحيط الهادئ.

ومن أجل مواجهة هذا “التهديد الصيني” المزعوم، تعمل الاستراتيجية الأمريكية الرسمية على تعزيز تحالفات وشراكات ثابتة، وتعميق العلاقات مع حلفاء جدد، وزيادة الضغط على حلفائها وأصدقائها لدعم سياستها الجديدة تجاه خصمها الصيني، وفي إطار ذلك تعمل الولايات المتحدة، وتضغط من أجل، تجديد “الرباعية” وهو ترتيب أمني محتمل بين أربع دول كبيرة، الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة، والهدف منها تقييد واحتواء قوة الصين العسكرية المتنامية.

ولعل مبادرات السياسة الأمريكية في جنوب شرق آسيا مستمدة من سياسة احتواء ومواجهة الصين، إذ تريد الولايات المتحدة من حلفائها الانضمام إلى شبكة نطاقها البحري، والسماح لها ببناء قاعدة لقواتها ومعداتها على أراضيهم، وتسهيل وجودها ومهماتها في المنطقة من خلال توفير مواقع للتزود بالوقود لطائراتها التي تجمع معلومات استخباراتية عن الصين.

وحالياً، تقوم الولايات المتحدة بمحاولات جدية متزايدة لمواجهة القوة الناعمة المتصاعدة للصين، وبما أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تساير سخاء الصين الاقتصادي، فإن قوتها الناعمة تعتمد بشكل متزايد على مزاعم الديمقراطية والنظام الدولي الحالي بقيادة الولايات المتحدة. وهكذا أطلقت الولايات المتحدة حملة تروّج لهذه القيم تدين علناً الصين وسلوكها، وتحذر الآخرين من “النوايا الصينية”، ولا سيما في بحر الصين الجنوبي.

وعلاوة على ذلك، ضاعفت جهودها “الدبلوماسية” لإقناع دول جنوب شرق آسيا بدعم سياستها، والمفارقة أنه كلما شدّدت الولايات المتحدة سياستها ضد الصين، وزادت الضغط للحصول على الدعم من المنطقة، ضعفت “قوتها الناعمة”، إذ لا يريد حلفاؤها وأصدقاؤها” في جنوب شرق آسيا حدوث مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، مواجهة من شأنها أن تورّطهم أو تؤثّر عليهم سلباً، ويتمثّل قلقهم بالذات في أن التنافس المتزايد على النفوذ والهيمنة العسكرية في المنطقة يمكن أن يمتد إلى داخل هذه البلدان، ولقد حدث هذا أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، ويمكن أن يحدث مرة أخرى.

إنهم يخافون بحق من كلمات لـ “ثوسيديدس” التي تفيد بأن “الأقوياء سيفعلون ما في وسعهم، وأن الضعفاء سيعانون مما يجب عليهم القيام به”.

عناية ناصر