أخبارصحيفة البعث

بيلوسي امرأة أمريكا القوية

 

لم تكن بداية عام 2019 سعيدة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب تسلم زعيمة المعارضة الديمقراطية نانسي بيلوسي رئاسة الكونغرس والتي باتت، بحكم هذا المنصب، أقوى امرأة في أمريكا. لكن ترامب لا يخشى النساء بحسب سيرته الذاتية وعلاقاته الكثيرة التي فضحتها وسائل الإعلام، وما يخشاه حقيقة هو العقلية التي تمثلها بيلوسي لشريحة عريضة من الجمهور الأمريكي الذي ألف النزعة الشوفينية تجاه الآخرين.
منذ دخول ترامب البيت البيضاوي دبت الخلافات بين كبار الموظفين، وتوالت الاستقالات بين أعضاء الإدارة، وخاصةً هؤلاء المحسوبين على الصقور، باستثناء من غيّر جلده، وتابع المسيرة معه، حتى إن المزاج العام الأمريكي هو الآخر بات منقسماً بالتوازي مع الانقسامات الحاصلة بين مجلسي الكونغرس والشيوخ، نتيجة القرارات الكثيرة التي اتخذها، وهي التي عجز عن اتخاذها الرؤساء الذين سبقوه إلى البيت الأبيض نشب، بلا شك، مواجهة خفية في أروقة صنع القرار بين اللوبيات الكلاسيكية الضاغطة وبين التيارات الشعبوية التي يقودها ترامب.
لكن كل تلك القرارات التي اتخذها والتي غيّرت ملامح الاصطفاف السياسي العالمي كانت بعيدة عن أي ممانعة، سواء دستورية أو اعتبارية، أما الآن فإن الوضع تبدّل، وقد يتم وضع حد لتماديه الشعبوي ولو في الحدود الدنيا، وهذا لا يعني أن المهمة سهلة أمام بيلوسي، لأن أمامها ملفات كثيرة جداً اتخذ فيها ترامب قرارات لا أحد يدري إن كانت، أي القرارات، قابلة للطعن والعودة عنها، ومنها “صفقة القرن”، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، واليونسكو، ووقف تمويل الأونروا، والتقارب مع كوريا الديمقراطية، وتدعيم العداء السيبراني ضد روسيا والصين، وآخرها قرار الانسحاب من سورية.
لا شك أن للرجل طريقته في الاعتراف بالهزيمة، وبتغليب المصالح المادية على المصالح الجيوسياسية على عكس العقلية الأمريكية التي كانت سائدة قبل قدومه إلى الرئاسة، وهي التي تمثلها بيلوسي، لكن أسلوبه الشعبوي خلق أعداء لأمريكا كانوا من أشد الأصدقاء في الأمس القريب، فهو أضر بمصالحهم الاقتصادية، وورطهم في صراعات خارجية غير محسوبة ارتدت عليهم داخلياً، حتى بات الرفض لقرارات ترامب علنياً أو بالالتفاف عليها بطريقة المواربة.
وما دامت تلك القرارات كانت مدمرة للحلفاء، لم تتردد بيلوسي في أول ساعات اعتلائها منصة الكونغرس باتهامه أنه “حليف رجال العصابات في العالم”، ما يعني أن حرارة الصراع بينهما سترتفع، وستنتقل من الخفاء إلى العلن، وهذا لاشك سيدخل أمريكا في صراعات داخلية وطويلة.
في السابق مثّلت الرئيسة الجديدة لمجلس النواب الأميركي بيلوسي، قوة معارضة كبيرة للجمهوري جورج دبليو بوش في السنتين الأخيرتين من رئاسته، وسيكون دورها الرقابي على ترامب مماثلاً، كما سيكون لديها وللقيادة الديمقراطية القدرة على منع تمرير قوانين يطرحها الجمهوريون، وتعطيل الكثير مما على أجندة ترامب، من مقترحات لخفض ضريبي جديد إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وبإمكان بيلوسي أن تصعّب الأمور أكثر على ترامب إذا ما أطلقت إجراءات لعزله، ولكن حتى الآن عبّرت عن معارضتها استخدام هذه العصا الغليظة ضده، لكن ” لم يسبق أن انتصر أحد عندما راهن على مواجهة نانسي بيلوسي. هي يمكن أن تنزع رأسك من دون حتى أن تشعر بأنك تنزف”، كما قالت ابنتها ألكسندرا لشبكة “سي إن إن”.
علي اليوسف